اكتشفت إثر مشاركتي في الحوار الوطني أننا نحن المشتغلين بالهم الكتابي والإعلامي أقل الناس صدمة بالحوار وتفاصيله وتوصياته.. واختلافات متحاوريه.. فكل هذه التناقضات هي مطروحة على طاولة الصحافة اليومية بشكل كبير.. لكن من المؤكد أن مواقفنا منها نضجت أكثر.. ونحن نعرف أننا جئنا لكي نختلف ونتباين ونحاول في النهاية الوصول إلى صيغة مشتركة قابلة للتطبيق الفعلي على أرض الواقع.. حتى لو اختلفت النوايا والطرائق والأساليب، لكن التوصيات كانت عبارة عن مقاطع من الكلمات الجميلة المفصولة عن زمنها الواقعي بكل اصطداماته وآلياته..
** لا أحد ينكر أن صياغة التوصيات التي تخص مؤتمر المرأة بالتحديد هي غاية في الحساسية.. فقد طفا على السطح الثقافي الاجتماعي لدينا شريحة تفسيرية مهمتها ملاحقة الكلمات والحروف وتشريحها وتشريح احتمالاتها حتى ولو بعد ألف عام..
وهؤلاء هم في الحقيقة من الفئة التي لا عمل لها.. وهمها الوحيد هو عرقلة المجتمع عن أي خطوة إلى الأمام بدعوى الدين.. مع أن الدين في ثوابته الأساسية يناصر المرأة ويدعمها ولم يؤطرها بالطرح الذي يتحدثون عنه.. وأنا أقدِّر حساسية صياغة التوصيات، وألتمس العذر للَّجنة من أجل ذلك.
** فوجئت في الحوار الوطني بالخطب الرنانة والصوت العالي والتهديد والوعيد.. والحقيقة أن هذا لا يليق بمجلس يضم نخب الفكر والثقافة والمجتمع ممن يتأملون ويتأثرون بالمعاني والأفكار، ولا تبهرهم أو تفزعهم الأصوات العالية والنبرات الخطابية التي تذكرنا بالأشرطة والتسجيلات الصوتية للشباب المبتدئ بالدعوة حين يصرخون ويهددون ويتوعدون ويفزعون قلوب الناشئة بأحاديثهم!
** لم يكن الحوار الوطني يحتمل هذا النوع من الأسلوب، خاصة إذ ما تدبَّرْنا وتأملنا في هدوء وصمت كل من الشيخ صالح الحصين وحواره الهادئ وابتسامته الصافية، أو الشيخ عبدالله بن منيع أو الشيخ عبدالله المطلق.
** لقد كانوا نموذجاً يُحتذى به في السماحة والهدوء وحسن الظن والاحتواء للرأي الآخر وعدم تحميل الأمور أكثر مما تحتمل.. بينما استغرق غيرهم في تسقُّط الكلمات وتفسيرها بأكثر مما تحتمل، والانصراف إلى مسائل ليست مدار النقاش ولا محله.. سواء من بين بعض المشاركين أو المشاركات!
** محاولة تصوير المرأة حين تعمل بأنها مجرد أجيرة يستغلها أصحاب العمل وتمارس عليها أنواع من الإهانة.. بينما المرأة في بيتها حرة مكرمة.. هذا التضاد القاصر والذي يدلِّل على ضيق أفق من المؤلم أن يظهر عند البعض في مداخلاتهم.. ففي الوقت الذي تحلم فيه آلاف الشابات من الطاقات المعطلة في البيوت حيث لا أزواج ولا أطفال ولا مسؤوليات، وكذلك آلاف من النساء الفقيرات أمهات الأيتام والمطلقات.. يحلمن بمورد اقتصادي يُفِدْنَ فيه ويستفدن.. نجد أن من بيننا مَن لا يزال يصور العمل بالنسبة للمرأة على أنه ذل ومهانة واستغلال..
** حين تُصدم بمثل هذه العبارات وأنت آتٍ ولديك من الأحلام العريضة الكثير الكثير.. بدءاً من إشراك المرأة في الشأن العام، وانتهاءً بحق كل مواطنة بفرصة عمل طالما هي تريدها.. وانتهاءً بإصلاح وضع المرأة في العمل والتعليم والمحاكم..
** لكنك تستعيد أحلامك مجدداً وتمضي تعافر من أجل مستقبل جميل لابنتك وبنات وطنك، متظللاً بالثابت الشرعي الذي يتفق عليه ويجمع المختلفون..وللحديث صلة..
|