في ظني الشخصي أن أكبر وهم سقطت فيه المنظمات الإرهابية خلال السنوات الماضية, بما فيها القاعدة برئاسة أسامة بن لادن, وبما فيها أعضاؤها من أبناء هذه البلاد, هو وهم (الأجنبي) وتدنيس الأراضي المقدسة, فهذا وهم كبير زرعه صدام حسين وتبناه بن لادن وابتلعه شباب القاعدة بدون فحص أو مساءلة أو تفكير.
ولنعد قليلا إلى الوراء وإلى بعض الأحداث الماضية, وتحديدا عام 1990م, عندما احتلت القوات العراقية دولة الكويت في سعيها لمحو دولة مستقلة عضو في الجامعة العربية, عضو في منظمة المؤتمر الاسلامي, عضو في منظمة الأمم المتحدة.. دولة مستقلة ذات كيان سياسي وبرلمان شعبي, وذات سيادة واستقلالية مثلها مثل العراق ذاتها, وغيرها من الدول العربية والإسلامية.. وقد رأى الرئيس صدام حسين أن السمك الكبير يجب أن يبتلع السمك الأصغر.. وهذا ما فعله وحاول أن يغتصب سيادة وكرامة شعب عربي مسلم شقيق.. ولم يتوقع الرئيس صدام حسين أن تتكاتف دول العالم بما فيها المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا في الدفاع عن هذا الظلم الكبير.. ولهذا حاول ان يشوش على العقلية العربية المسلمة بادعاء أن القوات الأجنبية التي جاءت إلى أرض المملكة العربية السعودية دخلت أرض الحرمين الشريفين, وأن المجندات الأمريكيات دخلن الأرض المقدسة.. حتى إن مشاهد ملفقة من صور فيديو ادعت أن مجندات ومجندين أمريكيين يطوفون حول الكعبة.. وهذه أكبر كذبة وتلفيق سياسي ودعاية مختلقة صدرها نظام صدام حسين, في محاولة لزرع البلبلة داخل المجتمع السعودي.. وقد انطلت هذه الحيلة الدعائية على عدد من أبناء هذا المجتمع.. وغلفت هذه الفكرة بتغليفات دينية.. ولكن بمرور الوقت عاد الوعي إلى كثير من هؤلاء الأشخاص.. وتكشفت أهداف مثل هذه الحملات.. وزادت قناعات هؤلاء بأنه تم توظيفهم كفكر وأشخاص من أجل النيل من البناء واللحمة الوطنية لبلادنا, ولم يكن هدف صدام حسين الدفاع عن الاسلام أو المقدسات الاسلامية بأي شكل من الأشكال.
ومن إفراز هذه الأحداث, وجدت شخصية أسامة بن لادن طريقها في مواصلة مشوار الوهم الكبير الذي بدأه صدام حسين في قضيته المحورية حول وجود الأجانب على أرض المملكة.. وأصبحت هذه القضية هي القضية الأولى في فكر القاعدة واتباعها.. فهم يرون أن كل مشاكل العالم الاسلامي هي نتيجة وجود أجانب على أرض المملكة.. وأنه بمجرد خروجهم سيستعيد العالم الاسلامي سيطرته على العالم, وستخرج اسرائيل من الأراضي الفلسطينية.. وستعود الخلافة الراشدة إلى العالم الاسلامي.. من يصدق هذه الأقاويل؟ فهذا تبسيط للحقائق يدعيها من لا يعرف أي شيء في هذا العالم.. ولا يعرف العلاقات الدولية وتوازن القوى ومصالح الشعوب والدول.. من يسير في هذا المنطق يكون قد اعتسف الحقائق وحاول تزوير الواقع.. وهذا ما حاول أسامة بن لادن زرعه في عقول هؤلاء الشباب الصغار أصحاب تجارب محدودة ورؤية ضيقة وفهم خاطئ.. وقد حاول اسامة بن لادن أن يضل هؤلاء عن الصواب, وأن يورطهم في عمليات إرهابية خسروا فيها دينهم ودنياهم والعياذ بالله.
وقد نجح أسامة بن لادن في تمرير هذه الفكرة وتغليفها بغلاف إيماني ديني, وكأنها فكرة جهادية وحشوها في أذهان مجموعة من الأفراد من أبنائنا وإخواننا الذين تبنوها كقضية محورية.. ويعتقدون أن خروج الأجانب هو الكفيل بتحويل أوضاع العالم الاسلامي إلى أوضاع أفضل ووضع الاسلام في أفضل صورة.. وهذه مغالطة كبرى ووهم خطير وتضليل كبير لقضايا المسلمين والعرب.. وفهم ساذج وإدراك مبسط لأمور أكثر تعقيداً وتحتاج إلى فهم عميق وإدراك شامل.. وها هي الفكرة الساذجة والوهم الكبير والمغالطة الواضحة تجد طريقها على شكل عمليات ارهابية تستهدف الأجانب على أرض المملكة.. وهذا ما كان يتطلع إليه أسامة بن لادن في كل طموحاته السياسية, منذ أن سحبت المملكة الجنسية منه, وهو يحاول ان ينتقم من هذه البلاد.. وقد وجد ضالته في هذه العناصر من الشباب التي انسلخت من طاعة آبائها وأمهاتها وإخوانها وأخواتها وأقاربها ومن طاعة ولي الأمر.. ثم باتوا ينفذون ما تمليه عليهم شبكة القاعدة ظناً منهم أنهم يخدمون الاسلام بهذه الأفعال المشينة.
ولنقف قليلا عند مسألة وجود الأجنبي على أرض المملكة العربية السعودية, فبعد أن عرفنا سياقها التاريخي, وكيف انها انطلقت من فكر وتخطيط الآلة الدعائية الصدامية في محاولة لتفكيك الوحدة الشعبية وتلاحم المواطنين مع القيادة السياسية في المملكة.. ثم تبنتها القاعدة لأنها القضية الوحيدة التي يمكن من خلالها تضليل العناصر الضعيفة في تنظيم القاعدة.. ولنبدأ التفكير العقلاني في مسألة الأجانب الغربيين على أرض المملكة, وهذه نقاط توضيحية في هذا الخصوص:
1- من المعروف ان الدول المتقدمة لم تصل إلى الوضع المتقدم الذي وصلت إليه دون أن تعتمد على عناصر خارجية جاءت إليها, وساهمت هذه العناصر في نهضة وتطور تلك المجتمعات.. فلماذا لا توظف المملكة والدول العربية والاسلامية هذه الكوادر من أفضل الخبرات الدولية في المساهمة في دفع مشروع التنمية السعودي إلى آفاق من التطور والتقدم.. وهذه سياسية للمملكة في الاستفادة من أفضل الخبرات العالمية لتطوير مؤسساتها ووضعها في هيئات نموذجية من النهضة المعاصرة.
2- سعى مشروع التنمية السعودي إلى استثمار الثروات الوطنية في بناء المستشفيات والمدارس والجامعات والطرق والمطارات والبناءات التجهيزية للمدن السعودية.. ولتحقيق هذا الهدف, لم يكن من الممكن حدوث ذلك دون الاستعانة بكوادر من خارج المملكة, من أطباء ومستشارين وخبراء وموظفين, وإداريين وعمال وغيرهم.. كل هؤلاء - شئنا أم أبينا - ساهموا في مرحلة البناء في مجتمعنا السعودي, ولولا الله سبحانه وتعالى ثم لولاهم لما تمكنا ان نصل إلى مستوى متقدم - والحمدلله - من النهضة والعمران والتطور في مختلف مجالات الحياة لبلادنا..
3- بفضل الله تعالى, لولا الوجود الأجنبي - ونحن نسميه بالأسماء الطبيعية له: الخبرات الدولية- لما وصلت المملكة ودول عربية واسلامية مثل ماليزيا وإيران وتركيا والمغرب ومصر والإمارات والباكستان وغيرها إلى مستوى عال من التقدم والتطور في بعض أو كل مجالات الحياة العصرية المناسبة..
4- لنتخيل فعلا أن أرض المملكة منذ ان استعاد الملك عبدالعزيز الرياض قبل أكثر من مائة عام وإلى اليوم لم تطأ أرضها قدم أجنبي.. فماذا يمكن ان نرى في هذه البلاد.. هل كان بالامكان ان نصل إلى مستوى الوضع الراهن والحالة الاجتماعية التي تعيشها بلادنا اليوم؟ بطبيعة الحال كنا سنكون في وضع بدائي جدا, ولم نكن لنتقدم خطوة تذكر في ميدان الحياة المعاصر, ولكنا دولة مثل بعض الدول البدائية في افريقيا أو بعض المجتمعات الأولية في آسيا أو أمريكا الجنوبية.. فهل ما يريده أسامة بن لادن هو ان نكون على مثل هذا الوضع البدائي..؟
5- نعلم أن بلادنا حققت قفزات كبيرة في التطور والنمو على كافة الأصعدة, فهل كان يمكن ان يحدث هذا دون فكرة نقل التكنولوجيا والعلم والمعرفة إلى بلادنا؟ وكيف لنا أن ننقل المعرفة العلمية والتقنية الحياتية بدون ان يساهم معنا خبراء ومستشارون وعلماء يساعدون أبناء هذا الوطن في تلقي المعارف والاضطلاع على خفايا التقنيات, والتدرب على طريقة أدائها وصيانتها ومعالجتها..؟
6- ولنسأل سؤالا مهما, وبحكم التجربة والاحتكاك, فإننا وجدنا أن الأجانب على أرض المملكة هم من أكثر الأشخاص تفهما لخصوصية مجتمعنا وإدراكا لدور الدين الاسلامي في حياتنا, وهم يعرفون -حتى أكثر من بعض المسلمين -متى يؤذن الظهر, ومتى يؤدي الناس صلاة المغرب.. متى نصوم ومتى نصلي ومتى نحج إلى بيت الله.. هؤلاء الأجانب في بلادنا هم من أكثر الجاليات تحشما ومحافظة على عادات وتقاليد هذه البلاد.. وهم أكثر احتراما وتقديرا لنا -المسلمين- في مناسكنا وعباداتنا.
7- ولنسأل سؤالا آخر, عن وجود الأجانب في أرضنا.. كم من أجنبي دخل الاسلام والحمدلله, وهذا بفضل الله ثم بفضل الفرصة التي أتاحت له الدخول إلى بلادنا, والاحتكاك بالناس ومعرفة خصوصية وسماحة الاسلام كما يرونها في تعاملاتنا وعلاقلاتنا.. كم من أجنبي شرح له الله الاسلام من وجوده على أرضنا.. ومن مختلف الديانات والجنسيات والأعراق.. هل كان يمكن ان يحدث مثل هذا النتاج الدعوي بدون فرص جلب هؤلاء إلى بلادنا.
8- ان الدعوة إلى خروج الأجنبي من بلاد المسلمين إذا كان موجودا فيها لأغراض سلمية وليس بهدف الاحتلال, ويؤدي عملا واضحا ومحددا فهذه دعوة رجعية تحاول ان تسقط الاسلام كدين من فكر وثقافة ووعي غير المسلمين, بل إنها تضيف إلى ذلك محاولة واضحة في تشويه صورة الاسلام وتعكير صفاء الدين وتوريط المسلمين في متاهات ومشاكل وتقلبات تعود على الاسلام والمسلمين بويلات وعداءات وتراجعات كثيرة.
9- وماذا نريد أن نقول عن العهد الذي بيننا وبين هؤلاء الأجانب, فقد جاؤوا إلينا مسالمين ولم يأتوا إلينا مقاتلين وجاؤوا إلى أرضنا بعهد بيننا وبينهم ان يقدموا لنا معرفة وتقنية وعلما واستشارة وخبرة نوظفها في خدمة بلادنا ومجتمعنا.. فلماذا ننكث العهد.. ونخون الأمانة..؟ وكما قال الأمير عبدالله بن عبدالعزيز, فهؤلاء الأجانب هم في ذمتنا جميعاً, ومنوط بنا أن نحميهم إلى أن يعودوا إلى بلادهم وينتهي العهد الذي بيننا وبينهم.. ومن يشترك في غير ذلك فقد خالف ديانة الاسلام وشرائع الخلق. ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأخيراً, ما أشبه الليلة بالبارحة.. فكان صدام حسين يريد ان يصل إلى اسرائيل عن طريق الكويت.. وهذا هو اسامة بن لادن يريد ان يصل إلى أمريكا من أرض المملكة العربية السعودية.. وغدا ربما يأتي ثالث يقول يريد ان ينتقم من روسيا بانقلاب عسكري في بوركينا فاسو, أو ثورة شعبية في جزر القمر.. هذا منطق جديد لم ولن نتفهمه أبدا.. ولن يدخل فكرنا وخبراتنا.. كما انه وهم كبير يريد ان يبيعه بن لادن على كل من باع دينه ووطنه وأهله ونفسه.
(*)رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال /أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
|