لم يكن ابني الطالب في المرحلة الابتدائية يمزح - كما توقعت - وهو يسألني عن اسم الفندق الذي سوف نقيم به حفل نجاحه، لذا ظهرت على وجهه علامات عدم الرضا وأنا أخبره أنني سوف أحضر له هدية قيمة بمناسبة نجاحه وتفوقه، وأننا سوف نحتفل بذلك داخل نطاق الأسرة.
وبدا واضحاً أن مثل هذا الاحتفال الأسري أصبح أمراً غير مقنع له، وهو يخبرني أن زميله فلان سوف يقيم حفل نجاحه في فندق (...........) خمس نجوم، وزميله الآخر قد قام أهله باستئجار قاعة احتفالات كبرى لهذا اليوم، وثالث بلغ عدد المدعوين لحفل نجاحه أكثر من خمسين فرداً، وبلغت تكاليف حفل نجاح زميل رابع آلافاً من الريالات.
وأمام هذا السيل من الاستشهادات بحفلات النجاح باهظة التكاليف لزملائه، كان من الصعب أن أتحدث إليه عن أن النجاح يمثل فرحة في حد ذاته، وأن الفرحة لا تقاس بقيمة ما ينفق في الاحتفال بالمناسبات السعيدة، وإنما بشعورنا بأننا نسير في طريق صحيح لتحقيق ما نتطلع إليه في المستقبل.
شعرت أن مثل هذا الحديث عن قيمة النجاح يتلاشى أمام هذه الاحتفالات الجديدة التي غزت مجتمعنا، وفي طياتها قيم اجتماعية سلبية بل ربما تكون مفسدة، فهذه الحفلات تتزايد يوماً بعد يوم بدافع التقليد والمفاخرة والمباهاة، والدلال الزائد للأولاد - بنين وبنات -، والاستعراض بين الأسر، وعادت بي الذاكرة عندما كنت طالباً، وكان أقصى ما أطمح إليه أنا وزملائي بعد نجاحنا كل عام هو الحصول على هدية بسيطة، ساعة يد، أو دراجة، أو ما شابه ذلك، ولم يكن شرطاً أن نحصل على مثل هذه الهدايا كل عام، فالنجاح هو هديتنا الثمينة لأنفسنا ولعائلاتنا.
مقارنة بسيطة بين ما استرجعته الذاكرة، وما يرويه الأبناء، جعلتني اتساءل: هل وصل بنا التقليد والمفاخرة إلى أن تصل تكاليف حفل نجاح طالب في المرحلة الابتدائية او المتوسطة إلى تكاليف حفل زواج، قد يرهق الشاب الراغب في الزواج نفسه كثيراً لتوفيرها؟، حاولت أن أحصي الأموال التي يمكن أن تستنزفها حفلات النجاح التي بدأت تنتشر بين جميع الأسر، فإذا كان عدد الطلاب الناجحين في جميع المراحل التعليمية مثلاً مليون طالب، فهل نتخيل معاً حجم الكارثة، لو أن كل حفل يتكلف ما بين ألف الى خمسة آلاف كحد أدنى، وهي تكلفة ضئيلة مقارنة بما ينفق في احتفالات بعض الأسر، فلا شك أن التكلفة الإجمالية سوف تتجاوز مئات الملايين من الريالات، التي يمكن أن يتم استثمارها في أي عمل جاد، بدلاً من إهدارها في أمور لا طائل منها!.
ومما يثير الدهشة الممزوجة بالمرارة أن كثيراً من الآباء الذين يقيمون احتفالات نجاح أولادهم، وينفقون الكثير عليها، قد يضطرون للاقتراض أو الاستدانة لتوفير نفقات هذا الحفل، حتى لا يقال: إنه أقل من فلان الذي أقام لابنه حفل نجاح ضخماً في فندق كبير، أو قاعة احتفالات فارهة، وسرعان ما تزول الفرحة، ويفيق هذا الأب على همِّ الدين وذله، فهل نفيق قبل ذلك، ونتصدى لمثل هذه الأمور الدخيلة على بلادنا؟
إننا لسنا ضد الفرحة، وإسعاد أولادنا ومكافأتهم وتشجيعهم، لكننا ضد التقليد الأعمى، والمفاخرة، والاستعراض والإسراف فيما لا يفيد.
|