عندما نمعن النظر في علاقاتنا مع الرجل الأبيض فإننا سنجد أن تلك العلاقات -في عمومها- مرة المذاق، حيث إننا قد قاسينا منها كثيراً، وأنا هنا لا أتكلم عن المملكة العربية السعودية، وإنما أقصد بلاد العرب والمسلمين عامة، وسوف تكون الشواهد على رأيي هذا مستندة الى مصادر موثوقة، بمعنى أنني ناقل ولست متقولاً، ولكنني أرجع الى تلك المصادر لمجرد التذكير ولإثبات ما أراه.
فمثلاً عند الرجوع الى كتاب الأستاذ أمين معلوف (الحروب الصليبية كما رآها العرب) ترجمة الدكتور عفيف دمشقية والصادرة طبعته الأولى عام 1989م عن دار الفارابي ببيروت، سنجد أنه ذكر أن الإفرنجة حاصروا المعرة مدة طويلة وذلك أيام الحروب الصليبية عام 1098م (وقد اتصل وجهاؤها ببيمند صاحب إنطاكية الجديد الذي كان على رأس المهاجمين ووعد الزعيم الإفرنجي الأهالي بالإبقاء على حياتهم إذا توقفوا عن القتال وانسحبوا من بعض الأبنية، واستكانوا بيأس الى كلامه.. وعند الفجر وصل الفرنجة.. إنها المذبحة فوضع الفرنجة فيهم السيف ثلاثة أيام فقتلوا ما يزيد على مائة ألف وسبوا السبي الكثير.. ص 63).
وينقل عن المؤرخ الفرنجي راول دي كين ما يلي: (كان جماعتنا في المعرة يغلون وثنيين- يقصد بذلك المسلمين- بالغين في القدور ويشكّون الأولاد في السفافيد ويلتهمونهم مشويين) ويقول الأستاذ أمين معلوف: (وفي هذا الصدد تظل عبارة المؤرخ الفرنجي (ألبير دكس) الذي شارك بشخصه في معركة المعرة عديمة المثيل في فظاعتها: (لم يكن جماعتنا لتأنف وحسب من أكل قتلى الأتراك والعرب، بل كانت تأكل الكلاب أيضاً) ص64)، وينقل عن أسامة بن منقذ المولود قبل هذه الأحداث بثلاث سنوات ما ذكره في كتاب الاعتبار الذي حرره فليب حتي وطبعه بمطبعة جامعة برنستون بالولايات المتحدة عام 1930 م ما يلي :
(إذا خبر الإنسان أمور الإفرنجة رأى بهائم فيهم فضيلة الشجاعة والقتال لا غير، كما في البهائم فضيلة القوة والحمل) ويقول الأستاذ أمين معلوف: (إنه حكم لا مواربة فيه وهو يختصر جداً الانطباع الذي أحدثه الفرنجة لدى وصولهم، مزيج من الخشية والاحتقار له ما يسوغ صدوره عن أمة عربية متفوقة جداً بثقافتها وان كانت قد فقدت كل روح قتالية. ص 63-64).ولو رجعنا الى رسالة أحمد بن فضلان التي يحكي فيها ما لاقاه وما شاهده من الفظائع عند ذهابه الى ملك الصقالبة (وهم عند العرب في ذلك الوقت سكان منطقة نهر الفولجا) وكان ملك الصقالبة ألمش بن يلطوار قد طلب من الخليفة العباسي المقتدر بالله إرسال بعثة تفقهه في الدين وتبني له مسجداً وحصناً يحميه من الملوك المخالفين، وكانت تلك الرحلة قد بدأت في يوم الخميس 11 صفر 309هـ الموافق 21 يونيو 921م ولم يصل ابن فضلان الى هدفه إلا بعد احد عشر شهراً لاقى خلالها كثيراً من المشكلات البيئية والاجتماعية.
وقد وجدهم يعيشون عراة أو شبه عراة ولا يستحون من عمل أي شيء يجرح الحياء أمام الغريب، وكيف أنهم كانوا يقتلون من يثبتون عليه التهمة بطريقة همجية بحيث يربط بين شجرتين أو أربع ثم يقضى عليه إما بالساطور أو بجذب الاشجار حتى يتمزق جسده بينها، وكيف أنه واجه في بقية رحلته الكثير من المصاعب من رجال الفايكونج أو قراصنة البحار.هذا بعض ما تضمنته رسالة ابن فضلان المحققة من قبل الدكتور سامي الدهان والصادرة عن دار صادر ببيروت بعدة طبعات أولاها عام 1379هـ 1959م.
وقد تظهر الأيام أن الذين عذبوا ويعذبون ويقتلون العراقيين في سجن أبو غريب وغيره وهم يقهقهون وأن شارون - وهو من القوقاس ولا صلة له بالساميين بمعنى أنه رجل أبيض- قد تظهر الأيام أنهم يشوون بعضاً من ضحاياهم على السفافيد كما كان يفعل أسلافهم.
الشاهد في كل ما ذكر أعلاه أن البعض من هؤلاء يتمتع بحيوانية لا مثيل لها (- وهذا بالتأكيد غير معمم لأنه قد يوجد منهم أناس يتمتعون بصفات إنسانية فائقة ودائماً التعميمات فيها كثير من الخطأ-) والمعروف أن الرجل الأوروبي عندما هاجر الى العالم الجديد شرد أهل البلد الأصليين وزجهم في مجمعات سكنية خاصة بهم، وهذا ما يعمله شارون الآن بالنسبة لأهل فلسطين الأصليين فهو يريد أن يشرد من يستطيع تشريده ووضع الباقين في مجمعات سكنية محروسة لا يستطيعون التحرك فيها أو إليها.
وهذه هي طبيعة الرجل الأبيض، ومن المعروف أن أكبر نسبة من الصهاينة لا تربطهم بالساميين ولا ببلادنا العربية أية صلة، فهم مهاجرون من روسيا والدول الأوروبية.أنا أعرف أنه يوجد لدينا من يطبلون لحضارة الغرب ويعتبرونها بمثابة النبراس الذي يجب أن نهتدي بضوئه، وأنا أقول لهم: إننا قد خدعنا بتلك المقولة فليس لبلد الفضل على بلد آخر إلا إذا كان ذلك الآخر واقفاً في أسفل دركات التاريخ، فالحضارة مشاعة ولولا العالم الهندي والعالم الصيني والعالم الياباني والعالم العربي والعالم الفارسي والعالم الأوروبي.. لما كان هناك تقدم.صحيح أن بعض الدول لديها المبادئ ولكنها لا تستطيع التطوير إما لضعف إمكاناتها أو لعدم الاستقرار الذي يساعدها على ذلك، وقد يكون للرجل الأبيض دخل في ذلك، حيث إن لديه القوة العسكرية التي يستطيع بها إخضاع البلاد الأخرى وإذلالها حتى أنها في هذه الحالة لا تستطيع ان تتحرك نحو التقدم، ولكنها في نفس الوقت قد اخرجت من لهم تأثير على بناء الحضارة إما باندماجهم مع المجتمعات الاخرى أو انهم قد بدؤوا في إبراز قدراتهم ولكن لضعف امكاناتهم نزعت منهم تلك القدرات الى من يستطيع تطويرها.
وقد قرأنا منذ حوالي الشهر ببعض الصحف أن الأمريكيين قد القوا القبض على علماء الفيزياء العراقيين وهجروهم الى الولايات المتحدة الأمريكية، ومعروف انهم او اغلبهم سيدجنون هناك وسيندمجون بالقوة مع الشعب الأمريكي، وقد سمعنا منذ أيام انهم قد قتلوا احد علماء الفيزياء العراقيين داخل سجن أبو غريب وقد يكون ذلك العالم من الرافضين لخيانة بلدهم.
أرجو من (أعضاء الحزب الأمريكي) (وهذا جزء من عنوان مقالة الأستاذ جمال أحمد خاشقجي بصحيفة الوطن يوم 19- 12-1424هـ) أن لا يغضبوا على هذه المقالة، وان يعرفوا ان من يدافعون عنه لديه مبدأ واحد وهو:
ليست هناك صداقة دائمة وإنما مصالح دائمة.
|