لمّا خلق الله الإنسان، خلق طبائع تتلاءم شراً أوخيراً، مع نوعية هذا الإنسان، وكل ميّسر لما خلق له، والقذافي تأصل الشر فيه منذ خلق، فصار ساعياً فيه ومحركاً له، ولا تهدأ ساديّته إلا على تحريك الشر والفساد. لذا كان زعيماً للإرهاب، معيناً عليه في كل مكان، كما بانت من أعماله التي رصدت علنية في صفحة سوداء من تاريخ حياته، فكانت هذه الخصلة فيه مطمعاً لأعداء الإسلام والمسلمين تحقق مآربهم فكان نعم العميل لهم.
والذي ينظر إليه في وسائل الإعلام: في لباسه ومسيره وحديثه، يدرك أن أمامه شخصية غير متوازنة، فهو يسير ونظراته زائغة، ويشمخ بأنفه متبختراً كالطاووس، وينفث سيجارته ذات الدخان الأزرق في وجوه الآخرين غير عابئ بآداب السلوك، ولا طريقة المحادثة.. وهذا إما علامة الكبر الذي هو رداء الله فما نازعه إياه إلا قصمه الله.
وإما أنه مهزوز الشخصية كما يقول علماء النفس، ليكون كلعبة الأطفال التي تحرك ب(الريموت).
وتلفّته وحركاته غير المستقيمة، كأنه يريد لمن وراءه من أسياد أن يوجهوه لما يريدون، لأنه لا يملك لنفسه إرادة مستقلة.
والقذافي العميل منذ وصلته الثورة ومن خطط لها إلى زعامة ليبيا، لا يتصرف إلا تصرفات حمقاء، ولم يبرر من عامل خير خلال السنوات الطويلة، فقد دفعه غروره إلى التطلع لزعامة العرب، حيث انتفخت أوداجه بكلمة قيلت له ظنّها فراسة فيه، وهي سخرية منه. ولعل هذا مما جعل تصرفات العداء: ضد الإسلام، وضد المسلمين، ثم ضد العرب والإنسانية جمعاء، تتأصل في جوانبه، أو على الأصح ترضى من يخطط له ويوجهه من الخلف كالدمية.
فما خدم اليهود في فلسطين غير القذافي، وما من مؤامرة ومشكلة إلا وللقذافي دور فيها، وما من مؤتمرات تفرق بين الأمة إلا للقذافي فيها بصمات، بل لم يسلم كتاب الله، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعمال وتصرفات القذافي للنيل منهما: تكذيباً وحذفاً وزيادة. بل أنكر العمل بالسنة ليتبع طريقة الذين قالوا: إننا قرآنيون فقط.
فهو الذي يخون شعبه لينفق ثروة الأمة على دسائسه ومؤامراته التي يخطط لها الصهاينة، ويتبناها وينفق عليها في تحقيق مآربهم، حيث أدخل نفسه في شؤون أكثر من أربعين دولة، وصرف كما قال ابن جلّون منذ سنوات، في هذا السبيل الشيطاني 25% من إيراد بلاده التي قدرها بمئات المليارات، ذلك أن من كان طبعه الشر، فإنه يستمرئ الشرّ، كما هي صفات وأعمال الذين قال عنهم:(ويسعون في الأرض فساداً).
فاليهود هم أول من حرّك الفتن في الإسلام، بدءًا بابن السوداء، عبدالله بن سبأ الذي بمؤامراته وفتنته التي أشعلها قُتِلَ الخليفة الراشد عثمان بن عفان، ثم انفتح باب الفتن التي أوقعت العرب والمسلمين في برك من الدماء، يوقد نارها أعداء الله اليهود وأذنابهم، ممن يتكلمون بألسنتنا ومن جلدتنا، كما أخبر صلى الله عليه وسلم، والقذافي تنطبق أعماله ومؤامراته على وصف رسول الله لتلك الفئات.
فلقد كان يضمر لقادة المملكة العربية السعودية حقداً دفيناً في صدره، هو من حقده على الإسلام لأن هذا الدين شوكة في حلوق أعداء الله، ويسوء القذافي ما يسوؤهم لأنه موالٍ لهم، ويفرحه ما يفرحهم. ولذا كان منبع غدر، وموطن خيانة.. جبلت طباعه على العدوانية وتغذية الإرهاب.
وفضحت الأحداث الأخيرة ومخططاته التي سعى فيها جاهداً، لاغتيال سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي، نوايا القذافي الخبيثة، وتصرفاته وخياناته القذرة، مما يؤصل الإجرام في قلبه.
فالمملكة التي دافعت عنه وسعى حكامها لتحسين مكانته الدولية بمساعي من سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز مع (مانديلا) زعيم جنوب أفريقيا، من جانب ومن جانب آخر في الدفاع عنه، والسكوت عن تصرفاته الرّعناء، وتحملها على مضض كما هي سمات حكام المملكة منذ عهد الملك عبدالعزيز، رحمه الله، حيث صدرت عنه محاولات للإساءة للمملكة قبل هذه، وإذا به يجازي تلك الأعمال بأسلوب عرف به في تاريخه المليء بالخيانة والغدر، وحبّ الإساءة وبثّ الفرقة. فقد حرّك بملايينه تنظيم مؤامرة، اجتهد وتابع فصولها لاغتيال سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - عندما يأتي في رمضان إلى مكة المكرمة، متعبّداً خاشعاً لله، كما هي سيرة حكام المملكة كابراً بعد كابر، فهانت على القذافي النفوس البريئة، بتغذيته الإرهاب في المملكة، ولم يدرك بما طبع على قلبه من ران، الحرمات الكثيرة التي شدّد فيها دين الإسلام، بنص القرآن، ومنطوق السنة المطهرة، بل نراه لا يقرأ القرآن، ولا يخاف نتيجة الغدر والخيانة، والله يقول عن حرمة مكة وبيته الحرام {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (25) سورة الحج.
ولا يعرف شيئاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حول الخيانة والغدر، ونتائجهما في الدنيا والآخرة، ولا غرابة في هذا وهو الذي كفّره العلماء قبل سنوات، بما صدر عنه، وما جاء في كتابه الأخضر، من إنكاره أشياء في كتاب الله، ودعوته إلى نبذ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يتحرك قلبه: لحرمة دم المسلم، بسعيه في القتل واستمرائه المؤامرات والإرهاب الذي اتسع نطاقه في العالم بمساعيه وتخطيطات مخابراته، وبالأموال التي ينفقها في هذا السبيل، ولأنها في طريق الباطل ولا ترضي غير نزعاته العدوانية، ومآرب الصهيونية التي تسعى لإقامة دول صهيون الكبرى، فإنهم ينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون - كما أخبر الله في كتابه الكريم. فقد قال القذافي للخائن الذي يدّعي خدمة الإسلام في الأمريكتين بينما اتضح أنه يد القذافي الخائنة لتنفيذ الخيانة والسعي في المؤامرة إنه: عبدالرحمن العمودي الذي أكد للقذافي سعيه في تنفيذ مؤامراته بعد أن سلّم الأمانة مليون دولار في لندن لمن يريد التنفيذ ليرى الرؤوس تتطاير.. إنها خيانة موثقة بقرائنها لا يمحوها تصريح وزير خارجية القذافي ولا حديث ابنه بتكذيب ذلك.
فحكومة القذافي هي حكومة كذب، وخيانة تفضحهم إفادات العملاء: العمودي وضابط مخابرات القذافي والأربعة الذين عهد إليهم بتنفيذها في مكة، علاوة على ما سوف تكشفه الحقائق، فإذا كان زعيمهم كذاباً خائناً لدينه وأمانته فلابد أن يكون أتباعه على شاكلته ومن عاشر الأشرار صار شريراً مفسداً.
بهاء عبدالملك بن مروان:
جاء في العقد الفريد: لما أراد عبدالملك الخروج للعراق لقتال مصعب وتجهّز، أقبلت امرأته عاتكة بنت يزيد في جواريها وقد تزّينت بالحلي، فقالت له: لو قعدت في ظلال ملكك ووجهت إليه كلباً غيرك فقال: هيهات. فلما أبى وعزم بكت، وبكى معها جواريها.. ثم خرج، فلما كان من دمشق على ثلاث مراحل، أغلق عمرو بن سعيد دمشق، وخالف عليها. فقيل ما تصنع؟! أتريد العراق وتدع دمشق؟ فرجع مكانه وحاصر أهل دمشق، حتى صالح عمرو بن سعيد على أنه الخليفة بعده. ففتح له دمشق، وكان بيت المال بيد عمر بن سعيد فكتب إليه عبدالملك:
أن أخرج للجند أرزاقهم، فقال: إن كان لك جند فلنا جند.. فأكد عليه فلم يستجب. فلما كان في يوم أرسل عبدالملك نصف النهار أن أئتني يا عمرو حتى أدّبر معك أمراً. فقالت امرأته: لا تذهب إليه فإني أتخوّف عليك. فما زالت به حتى ضربها بقائم سيفه فشجّها.. فخرج وكان معه أربعة آلاف من أبطال الشام، الذين لا يقدر على مثلهم، فأحدقوا بخضراء دمشق، وفيها عبدالملك، فقالوا لعمرو: إن رابك شيء فاسمعنا صوتك. فدخل. وكان مع غلام فقال له: اذهب إليهم وقل لهم ليس عليه بأس.
فجعل عبدالملك يتودّد إليه، وقال: لقد أقسمت إن أمكنني الله منك أن أجعل في عنقك جامعه، وهذه جامعة من فضّة، أريد أن أبرّ بها قسمي، وطرح رقبته في الجامعة، ثم نثره إلى الأرض فانكسرت ثنيّته.
فجاء المؤذنون فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين. فقال لعبدالعزيز بن مروان اقتله حتى أرجع إليك من الصلاة، فجاء عبدالملك فرآه جالساً، فقال: مالك لم تقتله؟ وسبّه ثم قال: قدّموه إليَّ، فأخذ الحربة بيده. فقال: فعلتها يا ابن الزّرقاء، قال عبدالملك: لو علمت أنك تبقى ويصلح لي ملكي لفديتك. ولكن قلّما اجتمع فحلان في إبل إلا عدا أحدهما على الآخر، ثم قتله.. وأمر بإدراجه في بساط وأدخل تحت السرير. وأرسل إلى قبيصة الخزاعي فدخل إليه، فقال: كيف ترى في عمرو بن سعيد: فردّ وقد أبصر رجل عمرو تحت السرير: اضرب عنقه، واطرح رأسه، وانثر على الناس الدنانير، يتشاغلون بها.. ففعل وافترق الناس. (153:2-154).
|