Thursday 17th June,200411585العددالخميس 29 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "زمان الجزيرة"

15-8-1391هـ الموافق 5-10-1971م العدد 363 15-8-1391هـ الموافق 5-10-1971م العدد 363
من ذكريات الدراسة
وانهمرت الدموع...

في بداية عامي الدراسي كنت عاقداً العزم على الاجتهاد، لأنني قد وصلت الى السنة النهائية بالمرحلة الثانوية، وهي السنة التي تحدد مصير الطالب بعد سنوات طويلة من الدرس والتحصيل.. فمع أول يوم من ابتداء الدراسة كنت مثال الطالب المجد المجتهد الذي يحافظ على اداء واجباته وحفظ دروسه.. وككل طالب صاحبت عدداً من الاصدقاء الذين جمعني بهم الفصل الدراسي ومنازلنا القريبة من بعضها الواقعة في حي واحد.. ولذلك كنت ارافقهم عند مغادرتي المدرسة في طريق عودتي للمنزل.. وكانوا اثناء ذلك لا يتورعون عن اللعب والمزاح في الطريق كالاطفال ولكنهم لم يكونوا من المقدرة على المزاح معي لأنهم عرفوا طبعي في عدم حب المزاح ومجانبة كثرة الكلام.
استمر حالي معهم هكذا طوال العام الدراسي.. ويحضرون لمنزلي اصيل كل يوم واذهب معهم ولا أعود الى المنزل الا بعد صلاة العشاء وانتهاء الدراسة ليستعد كل منا للاختبار النهائي وبحكم الجوار والصداقة عرفوا طباعي واخلاقي التي لم يستطيعوا ان يغيّروها فكانوا يعرفون انني أداوم على حضور صلاة الجماعة في المسجد فكانوا بعد موعد الصلاة ينتظرونني.. ولا بد من اضاعة بعض الوقت معهم هباء منثورا وعبثا بدون فائدة لانهم لم تكن لديهم القدرة لان يستمروا في الدراسة ساعات طوالاً، فأقصى مدة يمكنهم الدراسة فيها بصورة مستمرة ساعة او ساعتين بعكسي انا الذي كنت على استعداد لان الزم الدراسة طوال الليل والنهار ماعدا اوقات النوم المحدودة وهي ثماني ساعات وأوقات الصلاة التي اعتبرها ترويحاً عن النفس وتغييراً للجو وانشراحاً لصدري حتى لا يتسرب له الملل والضجر من مواصلة الدراسة بدون انقطاع.
وقبل اسبوع واحد من الاختبارات تمكنت من هضم جميع المواد ما عدا الرياضيات التي تركت دراستها للأسبوع الأخير ولكني لم استيقظ من غفوة اهمال دراسة الرياضيات الا عندما تيقنت انني لن استطيع ان اهضمها هضما جيدا يضمن لي الدخول الى قاعة الاختبار واثق الخطوة بدون خوف أو وجل..
بدأت الاختبارات ومرت الأيام الستة عشر العصيبة مليئة بالارهاق والتوتر العصبي الذي جعلني دائم التفكير فيما ستؤول اليه نتيجة الاختبار وأصبحت دائم التفكير مشغول البال وكانت الايام تمر ومع مرورها يقترب موعد ظهور النتيجة.. ومع قرب ظهور النتيجة يزداد تفكيري فتراني في وحدتي افكر تفكير الهائم أردد (ناجح أم راسب) وبقيت هكذا حتى اخبرني صديق لي ان النتيجة ستظهر مساء هذا اليوم.
وجلست فوق مكتبي.. واسندت رأسي على راحتي مفكراً؟.. ماذا ستكون النتيجة؟ ستملأ كياني انتعاشاً! ووجهي بشاشة.. أم تقطب جبيني!! والدور الثاني يكون مصيري.. ماذا ستكون يا رباه افرحة ام بكاء؟! أنوح أم ابتسم؟! النتيجة اليوم وما ادراك ما النتيجة انها تحدد الطريق.. فاما ان تنير الطريق بنور النجاح!! أو تسدل ستائر الفشل وتكون نتيجة اثني عشر عاما مرت كأنها ايام واصبحنا في مفترق الطريق..
وكنا بالأمس صغارا واصبحنا اليوم كبارا.. انني بانتظارك يانتيجة..؟
انني بانتظارك يا اسمي.. فهل ستغيب عن مسمعي الليلة.. فان غبت غابت الابتسامة معك وان اشرقت الابتسامة..
وأشعت الفرحة من عيوني واطمأن قلبي الواجف وفكري اللاهف.. ماذا ستفعلين يافيزياء.. هل تستوقفينني في الطريق وتتركينني.. أم ترفعينني يارياضيات؟! وتكون يارب نتيجتها النجاح.. نجاح ما أحلاك من كلمة!! واعذبك من لحن!! ما أظفرك من قول وما أجملك من كلمة.. فهل سيتناقل الناس اخباري.. ويقولون إنني ناجح.. ويرفع الجميع أيديهم لرب العالمين شاكرين الذي وفقني وما توفيق الا بالله.
أم سيقولون راسب.. آه.. ما اقسى وقع هذه الكلمة على النفس!! ما اقوى ألم تلك الحروف.. وما أمر مرارتها؟ واي علقم يعادل مرارة كلمة راسب؟؟ انه عام يمضي بدون حساب وعام يمر من عمر الانسان هدرا بدون فائدة..
انها ثوان يشعر فيها الراسب بالخيبة.. ويذوق طعم هذه المرارة.. وكله ألم وحسرة ياحسرتاه ان كنت راسبا.. فاللهم لا مرد لقضائك.. فعليك أتكل وبك اطمئن..
وكما كنت متوقعا لم اسمع اسمي ووجدت في الكتابة سلوتي واستعنت بالله وذاكرت طوال العطلة حتى هضمت مادة الملحق ودخلت الاختبار وكنت مطمئنا الى نتيجة الاختبار بمجرد ان قرأت ورقة الاسئلة وشرعت في الاجابة وسلمت ورقة الاجابة والابتسامة مشرقة.. على وجهي وملامح الفرحة والاطمئنان تملأ كياني.
وبعد اسبوعين ظهرت النتيجة وكان اسمي من بين الاسماء التي ظهرت على صفحات الجرائد.. فسجدت لله شكراً وحمدت الله الذي وفقني في الابتعاد عن اصحابي الذين غررت بهم والذين اوقعوني في حفرة الرسوب.. التي لم أقع فيها الا عندما صاحبت تلك الجماعة، جماعة اللهو واللعب.. وبهذا تيقنت من صدق المثل القائل (الصاحب صاحب فانظر الى من تصاحب).
بعد تلك المرحلة الدراسية وبعد حصولي على التوجيهية لم ينته طريق العلم والتحصيل لانه شاق وطويل وقد استفدت من فشلي ومن تجربتي أيما استفادة.. فقد التحقت بالجامعة بكلية الهندسة ومع بداية العام الدراسي كنت كما كنت في العام السابق مثالا للطالب المجد السابق مثالا للطالب المجد الممتلىء نشاطا وحيوية.. وحتى لا تتكرر المأساة لم اصاحب أي طالب من طلبة الجامعة (حتى لا تتكرر احداث العام الماضي) الا عندما تيقنت ان تلك المجموعة هي مجموعة الخير التي ستأخذ بيدي نحو الفلاح وخصوصاً انهم من الطلاب المحافظين على اداء الصلاة المتخلقين بأخلاق سيد الأنام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

داود نمر حمدان


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved