Thursday 17th June,200411585العددالخميس 29 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "تحقيقات"

مدرسة تنظم حفلاً ومسيرة للناجحات وتتعاقد مع فرقة فنية وشعراء : مدرسة تنظم حفلاً ومسيرة للناجحات وتتعاقد مع فرقة فنية وشعراء :
أُعلنت النتائج وبدأ صخب احتفالات تخرُّج البنات

*تحقيق - سارة السلطان:
مع انتهاء العام الدراسي ومع بدء ظهور نتائج النجاح والتخرُّج ، تتسابق الكثير من الفتيات لإقامة حفلات التخرُّج الخاصة في المنازل أو العامة في داخل مدارسهن وبإشراف مباشر من مسؤولات التعليم.هذه الظاهرة التي بدأت تزيد وتتوسع في الآونة الأخيرة ، تحولت من مجرد فرح وابتهاج بالتخرُّج والنجاح إلى ميدان للمباهاة والمظهرية المكلفة اقتصاديا واجتماعيا . لذا كان لابد لنا اليوم من وقفة مع أصحاب الرأي والاختصاص وكذلك الطالبات وأسرهن لنستجلي تلك الظاهرة ونقف سويا على سلبياتها وتبعاتها.
*****
بداية كان اللقاء مع الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي .. حيث تحدث عن روح التقليد الأعمى التي سيطرت على كثير من الناس بصفة عامة ، وهي مشكلة كبرى تتوالد منها مشكلات أخرى كثيرة منها مشكلة البذخ المالي الذي يفوق طاقة الإنسان المستسلم للتقليد الأعمى ، ومشكلة بناء شخصية مهزوزة الثقة بالنفس ، غير مستمتعة بالرضا النفسي الداخلي ، مع ما تحدثه من مشكلات في العلاقة الأسرية ، لأن البنت أو الابن الذي يضغط على مشاعر أمه وأبيه لتحقيق ما تصبو إليه نفسه يسبب لهما تعاسة وألما نفسيا كبيرا ، خاصة عندما تكون طلبات الأبناء فوق قدرات الأب المالية ، يضاف إلى ذلك التعود على العناية بالمظاهر الخادعة التي إذا نشأ عليها الإنسان أصبح غارقا في الأحلام التي لا تنسجم مع حقيقته وواقعه الاجتماعي والاقتصادي ، وقد مرت بي تجارب مع بعض من يستشيرني من الشباب ذكورا وإناثاً ، أكدت لي أن منهج المبالغة في المظهر ، والحرص على تضخيم ما لا يستحق التضخيم في الحياة هو السبب في كثير من الآلام والعقد النفسية ، التي تتحول إذا أهملت إلى أمراض نفسية خطيرة ، أصبح الكثير يعاني منها في هذا العصر.
وحذر د. العشماوي من المبالغة في الاحتفال بتخرج فتى أو فتاة من المتوسطة أو الثانوية لأنها تدل على مرض اجتماعي خطير ، فهي تخرج بالموضوع من دائرة التشجيع والتحفيز إلى سرداب المبالغات التي تهول الأمور ، وتسوق إلى ارتكاب المحظور.
ويوجه د. العشماوي كلمة أخيرة إلى الأهل : إن تشجيع الأبناء والبنات على مستوياتهم الدراسية المتميزة مطلوب ومهم تربوياً ، ولكنه كأي عمل آخر ، يعطي نتيجة سلبية إذا تجاوز حده وخرج عن المألوف ، وأصبح مظهرا من مظاهر التباهي ، مصحوبا في عالم الفتيات بالتبرج وغيره من الأمور المنهي عنها شرعاً.
ما أجمل التوسط والاتزان وما أحوجنا إليه ، فواقع العالم اليوم يحتاج منا إلى المراجعة الصادقة لكثير من السلبيات الضارة في حياتنا.
المجاراة والشعور بالنقص
الأستاذة مشاعل الدخيل رئيسة قسم التوجيه والإرشاد تبدي وجهة نظرها قائلة : إننا نشارك بناتنا فرحة إنهائهن المرحلة الثانوية من الدراسة وتأهيلهن للتعليم العالي ، والدخول في مرحلة دراسية جديدة وهي المرحلة الجامعية التي تعتبر مرحلة انتقالية في حياة الطالبة ، إلا أنه لوحظ في الآونة الأخيرة انتشار ظاهرة دخيلة علينا وهي إقامة الحفلات الخاصة ؛ احتفالا بإنهاء المرحلة الثانوية والتي بدأت تأخذ طابع المباهاة والمغالاة في الإعداد والتنظيم لها ، الأمر الذي أثقل كاهل الكثير من أولياء الأمور من جميع النواحي ، كما حملهم ضغوطا رغبة منهم في إرضاء بناتهم . ولهذه الظاهرة سلبيات عدة منها على سبيل المثال لا الحصر :
- إقامة مثل هذه الحفلات وما يصاحبها من استعدادات لا تتفق مع تعاليم وقيم ديننا الحنيف .
- مجاراة الطالبة لبعض قريناتها دون الاقتناع بالأمر ، أو عدم توفر الإمكانيات المالية .
- تحمل أولياء الأمور أعباء هم في غنى عنها .
- المباهاة بين الطالبات والجري وراء كثير من المظاهر الزائفة .
- إحساس الطالبة بعدم القناعة بالواقع الذي تعيشه ؛ مما يولد الشعور بالنقص لديها .
بدائل مشوقة
وكان ل(الجزيرة) لقاء مع مها القرزعي مشرفة تربوية لمادة الفيزياء التقيناها في إحدى تلك الاحتفالات ، حيث أتت إلى الحفلة من أجل إحدى قريباتها .. ولترى عن كثب مستوى حفل تكريم بناتنا ، وكنت أرجو حفلا إيجابيا بفقراته.. ولا بأس بالترفيه ، ولكن فوجئت بحفل صاخب وتهريج أجوف ، بناتنا في لبس مخالف للشرع والعرف .. تقليع بحذافيره للموضة القادمة بقوة لتغريب بناتنا . وإنني أتساءل أين حق الأبناء من المسؤولية والتربية .. وأين حق الإخلاص في الرعية لبناتنا ؟!
أين تضافر الجهود بين الأهل والمسؤولات والتربويات باستغلال هذه المناسبات التي تجذب بناتنا بإدخال بدائل مشوقة غير مباشرة ومنفرة ؛ لتساهم في الإصلاح ؟
الحفلات تعدت طابعها المميز
وفاء القرزعي ربة بيت وأم لطالبة على وشك التخرُّج ، تبث تساؤلها إلى الأمهات اللاتي ينفذن رغبات بناتهن في كل ما يطلبهن حتى وإن يخالف مسار الدين والعرف ، وفيه ضرر على أخلاقهن ودينهن .. فالبنات صغيرات في السن غير مدركات لتبعات الأمور .. ولأن ابنتي في المرحلة الثانوية فهمتها من البداية أن الحفلة يجب أن تكون بسيطة وفي إطار أسوار المدرسة ورسوم الاشتراك في الحفلة يجب ألا يتعدى مبلغا رمزيا يناسب الفرحة واهتمامنا بها ولا يغضب الله علينا في المباهاة والإسراف .. لذا ابنتي من البداية لم تتجرأ أن تطلب فوق ما هو مطلوب .. وتتمنى الأخت وفاء القرزعي أن تتخذ وزارة التربية والتعليم إجراء رادعا للحد من هذه الظاهرة في المدارس التي بدأت تتعدى طابعها المميز من البساطة في التعبير عن الفرحة إلى حفلات صاخبة وكبيرة سواء على مستوى المدارس أو خارجها مساء.
صغيرات
وكان لنا لقاء آخر مع أم لطالبة على وشك التخرُّج الأخت عايدة الدايل والتي عبرت عن تأييدها لحفلات التخرُّج ؛ لأنها تجسد ذكرى علمية جميلة ولكن إذا كانت ستقام في إطار أسوار المدرسة .. والبرنامج تشرف عليه وتعده إدارة المدرسة والمرشدة والرسوم في حدود المعقول .. تغطي تكاليف ثوب التخرُّج وثمن مائدة الطعام المفتوحة .. وألا تتخلى الخريجة عن حشمتها وأخلاقها في المبالغة والتهاون سواء في المظهر أو في فقرات البرنامج.
وأن تشكر الله على بلوغها وانتهائها من هذه المرحلة .. وأضافت أن الرفض سيكون حتما لو كانت الحفلة خارجية فيها صخب ومنكرات والمشرف على البرنامج الطالبات أنفسهن واللاتي يغلب على تفكيرهن السطحية واللامبالاة بالعرف والتهاون في النواحي الشرعية .. من ناحية فقرات البرنامج والمظهر الخارجي.. فهن صغيرات على حماية أنفسهن غير مدركات خطورة فعلهن.. ولا يجب أن تستجيب الأم لكل رغبات بناتهن على حساب الدين والخلق..وما نشاهده من سلوكيات هذا الجيل من ضحكات مزعجة وملابس تتنافى وحياء الفتاة تستدعي من الأمهات حماية بناتهن من الانزلاق الخطير ومساعدتهن على اختيار ما يتلاءم والعقيدة ، ونبذ ما يدعو إلى التمرد وسوء الأخلاق والتقليد بما يخالف الدين والعرف.
رأي الطالبات
ثم قامت الجزيرة بعدة لقاءات مع صاحبات الشأن ؛ لتستطلع آراءهن حول هذه الظاهرة ، حيث تحدثت عدة من الطالبات عن الموضوع فقلن :
- شهد المبيض - ثالث علمي : حفلة التخرُّج لا غنى لنا عنها.. وننتظر هذه المناسبة بشغف كبير مع رفض المبالغة والتكلفة المادية الكبيرة ؛ مراعاة لبعض ظروف الطالبات الاقتصادية .. ونتمنى ألا يغلب على الحفلات الاهتمام المبالغ فيه بالمظهر والزهو لأنها بذلك تكون حفلات سطحية هامشية .. ولا بأس بالترفيه كشرط أساسي مع عدم إغفال الجوانب الأخرى .. وأضافت أن المبالغة في الحفلة جعلت الطالبات يتعاقدن مع شاعر ينظم لهن قصيدة ترحيبية ، ويزج باسم كل واحدة منهن ضمن أبيات القصيدة ويحصل بالمقابل على أجر من المبالغ اللاتي اشتركن الطالبات في وضعها.
- أفراح الصايغ - طالبة بالصف الثاني الثانوي التي أبدت رأيها حول الحفلات التي تقيمها الطالبات سواء بإشراف من إدارات المدارس أو أسرهن تعبر عن تغيير جو المدرسة الروتيني الصارم . إلا أنها تعترض أن تكون الحفلات صاخبة أو تشذ عن مسار ديننا الحنيف .. وإجابة على سؤال الجزيرة لماذا لا تفعل الحفلات بما يعود على الخريجة بالفائدة إلى جانب الترفيه..؟!
أجابت : لن تتغير نظرة الطالبات السطحية للحفلات إلا إذا تغير اسم إقامة حفل التخرُّج .. لأن كلمة حفلة تعني الرقص والغناء فقط . وأتمنى مستقبلا أن تتوسع مدارك الطالبات عموما لتصبح الحفلات إلى جانب الترفيه تمس قضايانا كدارسات وتشمل فقرات ثقافية دينية.. اجتماعية.. وأنصح كل طالبة أن تضع نصب عينيها ما هو منكر وما هو حلال عند إقامة حفل تخرجها ؛ حتى تتجنب الوقوع في المنكرات.
الحفلات كانت جيدة
الطالبة نورة الغويرني بالصف الثالث أدبي في مدرسة خاصة تحدثت ل(الجزيرة) عن المبالغة التي أبدتها إدارة المدرسة ؛ من أجل إحياء حفل التخرُّج لكي يبدو بمظهر قوي ، وإن كانت هذه القوة للأسف سلبية كنوع من الدعاية للمدرسة .. فالحفلات تعتبر مؤشر قوي لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الطالبات مستقبلا ، والإدارة استوحت هذه القناعة من الطالبات اللاتي عادة يلتحقن بالمدارس التي تهتم وتظهر الاحتفال وكأنه أشبه بالمهرجان من حيث الإعداد والتكاليف والبرنامج . فمثلا إدارة مدرستنا أحضرت الخياطة لأخذ المقاسات لحياكة أثواب التخرُّج .. والمسؤولة عن الاحتفال تعاقدت مع فرقتين لإحياء الحفلة بأكثر من ثمانية آلاف ريال وباقي المبلغ وزع على التكاليف الخاصة بموجبات الضيافة والورود المتناثرة هنا وهناك ، غير التعاقد مع وافدة لتدريب البنات على المسيرة !! رغم عدم استفادتنا منها .. لكن حب المباهاة الذي سيطر على أحلام الجميع للأسف حتى المتعلمات والمسؤولات في المدرسة.. على حساب جيوب أولياء الأمور..وعللت نورة سبب رفض بعض الأهالي الاشتراك في هذه المناسبات أن فعاليات الحفل سوف تبدأ بعد منتصف الليل .. وهذا يخالف مبادئ بعض الأسر.. كما أنها سوف تدفع مبلغا كبيرا من أجل ساعات محددة في وقت متأخر من الليل..!
المشاركة مطلوبة ولكن
وانتقلت الجزيرة إلى سؤال القاضي والمستشار في وزارة العدل د. إبراهيم عبد العزيز البشر ليحدثنا عن رأي الشرع بظاهرة الاحتفال بالتخرُّج.. قال فضيلته :
إظهار الفرح والسرور لمن حصلت له نعمة أمر لا يخالف الشرع .. كما أن مشاركة المسلم لأخيه في السراء والضراء والأفراح والأتراح لا غبار عليه ، بل هو مطلوب يدل على التآلف والمودة بين أفراد المجتمع المسلم.
ومن ذلك نجاح الابن والبنت أو القريب أو الصديق في دراسته ولا شك في جوازه .. ولكنه إذا تجاوز المشاركة في الفرح إلى حصول المنكرات فإنه يكون حراما .. ونعطي أمثلة على ذلك :
الإسراف
فإن الله عز وجل أخبر أنه لا يحب المسرفين فقال سبحانه : { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } ، وهل المسلم يرضى أن لا يحبه الله وهو يسعى في هذه الحياة إلى ما يقربه إلى الله سبحانه ، والإسراف هو الزيادة من أكل وشرب أو غيرها.
الغناء
المصحوب بآلات المعازف .. فقد أجمع أهل العلم على تحريمه كما ذكر ذلك العلامة ابن الصلاح ، وفصل المسألة العلامة شمس الدين بن القيم - قدس الله روحه - في كتاب ( إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ) .. كما أن شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - قد أفاض في المسألة في كتاب فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الثالث ، يحسن لكل قارئ أن يرجع إليه . ويكفي المسلم دليلا واحدا من كلام الله - عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم - في ترك أي محرم ، فقد قال الله - عز وجل - في كتابه { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا }.فقد أقسم الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ثلاث مرات أن المقصود بلهو الحديث في هذه الآية هو الغناء .. وأما كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد قال : (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved