الفقر ظاهرة اجتماعية قدرية منذ وجود الخليقة على الارض، يتفاوت حجمه من مجتمع إلى آخر، ومن دين إلى آخر، فمثلاً في الجاهلية كان الفقر عيباً اجتماعياً يجعل من صاحبه إنساناً معتزلاً الناس ناقماً على بني قومه، لا يجد من يجالسه أو يناسبه أو يزوره، ذلك لعدم وجود دين ينظم هذه المبادئ في المجتمع. وبعد بزوغ فجر الإسلام وبعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- نجد أن القرآن الكريم اهتم اهتماماً بالغاً بالفقراء والسبل التي تساعد على مواجهة الفقر وتحسين مستوى المعيشة وعدم سؤال الناس، ورتب على ذلك الأجر، وجعل كثيراً من الكفارات تصب في هذا المعنى من إعتاق الرقاب وبذل المعروف والصدقة وإطعام الطعام والكسوة وإنظار المعسر والتسامح عنه والعفو والرحمة. وهذا يشهده التاريخ؛ حيث تسابق الصحابة في المدينة المنورة من الانصار وقدموا كل شيء لإخوانهم المهاجرين من المال والمتاع والسكن كي يعيش الجميع في ظل الكفاف المعيشي، كما أن القرآن الكريم نهى عن نهر السائل والمساهمة في رفع المعاناة عنه، وهذا مبدأ عظيم. والفقر في القديم كان يتمثل في عدم حصول الفرد على قوته أو قوت من يعول، ولكن في العصر الحديث اتسعت دائرة الفقر فأصبح كارثة ومصيبة؛ حيث يعتقد بعض الناس أنهم فقراء لعدم حصولهم على آخر صرخات الجوال أو البيوت الشاهقة أو المراكب الفارهة أو الملابس العصرية، فأصبحنا نرى كثرة المتسولين وترددهم على المساجد والاماكن العامة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
عزيزي القارئ: إن هناك فئات من المجتمع تعيش الفقر الحقيقي، ولكن منعهم التعفف عن السؤال، وهم غير معروفين، والباحث عن الحقيقة لن يعدمها، والجمعيات الخيرية تؤكد ذلك من خلال زيارت ميدانية لبعض البيوت؛ حيث الفقر بمعناه الصحيح؛ حيث إنه وجد بعض الناس لا يملك قيمة إيجار منزله، وربما منعه المرض من العمل ولديه عدد من الأطفال ويفتقد ضروريات الحياة من الطعام والكساء، فهل يعي الاغنياء معنى الفقر الحقيقي ويضعون أموالهم في مواقعها بعيداً عن الأثرياء الذين يلبسون لباس الفقر والحاجة، وهؤلاء محاسبون يوم القيامة لأخذهم أموالاً لا تحل لهم، ولا سيما الشباب الذين تراهم يتسولون في ابواب الجوامع وهم يتمتعون بصحة جيدة ونشاط حيوي؟ وبهذا الفهم للفقر نستطيع القضاء عليه بالتحري والسؤال والدقة.
|