* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي البلهاسي - صابر حمد:
هل يمكن أن يتحول القرن الواحد والعشرون إلى القرن الصيني ؟.. وهل يمكن أن تشغل الصين المكانة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم؟! والى أي مدى يمكن أن تدفع العلاقات العربية الصينية لتصبح علاقات استراتيجية مع هذه القوى الكبرى ؟! هذه التساؤلات أطلقها المشاركون في المؤتمر السنوي التاسع للدراسات الاسيوية الذي شهدته كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة مؤخراً حول (الصعود الصيني) حيث أكد المؤتمر أن الصين تشهد تجربة تنموية رائدة اجتذبت أنظار العديد من المحللين في محاولة لتحديد أسباب وملامح هذا النجاح خاصة أن الصين باتت تعد بين مصاف الدول الكبرى في عالمنا المعاصر نظراً لما تتمتع به من قدرة عسكرية هائلة جعلتها تشغل المكانة الثالثة من حيث القدرة النووية إضافة إلى شغلها لنفس المكانة من حيث حجم الناتج القومي الإجمالي بالإضافة إلى القوة الديموغرافية التي تتمتع بها الصين نظراً لعدد سكانها.
إنجازات صينية
لعل أهم الإنجازات التي حققتها الصين خلال نصف قرن هي الإنجازات في المجال الاقتصادي والتي جذبت إليها الأنظار وهذا ما أكدته الدراسة التي قدمتها الدكتورة هدى ميتكس مدير مركز الدراسات الاسيوية بجامعة القاهرة والتي أشارت فيها الى أن الصين أصبحت تعد الآن القوة الاقتصادية العالمية الثالثة بعد أمريكا واليابان ووفقاً لمعياري التجارة الدولية وحجم السوق وانطلاقاً من القوة الشرائية للنقد الصيني وبمقابلته بقيمته بالدولار يمكن أن تشغل المكانة الأولى فى العالم عام 2015.
وقد أوضحت تقارير البنك الدولي أن واردات الصين عام 2002 جاوزت 639 بليون دولار في حين بلغ حجم الواردات في اليابان 521 بليون دولار وأشارت التوقعات إلى تفوق الناتج المحلي الإجمالي في الصين 9.8 تريليون دولار وذلك نتيجة الزيادة السكانية الهائلة التي تشهدها الصين.
وترجع بدايات النمو الاقتصادي الحقيقي للصين عام 1978 بحيث وصل معدل النمو السنوي آنذاك إلى 9 % وفى عام 1992 تصاعد الناتج القومي الإجمالي حتى بلغ 12.8 % ووصلت نسبته في فترة من الفترات إلى 13 % مما اثار مخاوف البعض من خطورة هذا التصاعد السريع مشيرين إلى ضرورة تباطؤه في الأعوام القادمة وهو ما حدث بالفعل لتدارك مخاطر هذا التصاعد الكبير.
العلاقات مع أمريكا
وتبدو العلاقات الصينية الأمريكية كما وصفتها دراسة الباحثة خديجة عرفة محمد غاية فى التعقيد والتشابك وتقول الدراسة إن هذه العلاقات ظلت طول الفترات الماضية متأرجحة ما بين التعاون والصراع بحيث لا يمكن وصف الدولتين على أنهما عدوان ولا يمكن وصف علاقتهما بأنها علاقة صداقة فهي علاقات بين دولتين إحداهما قوة كبرى مهيمنة على العالم والثانية تسير في مرحلة الصعود نحو أن تصبح قوة كبرى ولاشك أن أمريكا ترفض فكرة الصعود الصيني إذ تحاول واشنطن الضغوط على الصين واحتواءها حتى تمنعها من أن تتحول إلى مصدر تهديد محتمل لها.
وتؤكد الدراسة أن العلاقات بين البلدين شهدت تصاعداً في التوتر في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الأب ثم استمرت كذلك في بداية عهد كلينتون إلا أنه سرعان ما عدل سياسته تجاه الصين حيث قامت بوجه عام فيما بعد على التوتر والتقارب من الصين وهو ما قوبل بترحاب من الجانب الأمريكي إلا أن الخلافات ظلت مستمرة فى ظل وجود قوى داخلية مؤثرة على سير العلاقات ومنها الكونجرس والإعلام الأمريكي هذا بجانب الخلافات الرئيسية في علاقات البلدين حول القضية التايوانية وقضية حقوق الإنسان.
ومع مجيء بوش الابن إلى البيت الأبيض عادت العلاقات إلى التوتر حيث اعتبر بوش الابن الصين منافساً استراتيجياً وانتقد إدارة كلينتون في إعطائها مزيداً من الاهتمام واهمال الحلفاء الآخرين في آسيا وقامت السياسة الأمريكية تجاه الصين على عددٍ من الركائز أهمها دعم الجبهة التايوانية دون تعريض العلاقات مع الصين للخطر وجاءت احداث طائرة التجسس (E P- 3) لتزيد توتر العلاقات بين البلدين وفي عام 2001 وحده وقبل الزيارة التي قام بها بوش الابن للصين في أكتوبر من العام ذاته فرضت واشنطن في تسعة أشهر عقوبات ثلاث مرات على الصين حول قضايا تتعلق بنشر الصين لأسلحة دمار شامل.
إلا أن أمريكا تنظر للصعود الصيني على أنه عائق لها في مواجهة الطموح الأمريكي في الهيمنة على العالم خاصة في ظل اختلاف رؤية كل منهما لطبيعة النظام الدولي إذ ترفض الصين فكرة الهيمنة الأمريكية على العالم كما ترفض فكرة الزعامة الدولية وتؤكد بدلاً من ذلك على أن أي نظام عالمي لابد أن يقوم على مبدأ أن كل الدول يجب أن تتساوى في العلاقات الدولية مع التركيز على رفض فكرة التدخل في الشئون الداخلية للدول وضرورة احترام قرارات الأمم المتحدة وأن النظام المتعدد الاقطاب هو النظام الأمثل للتنمية السياسية والاقتصادية في العالم.
التعاون العربي - الصيني
وأكدت الدراسة التي قدمها الدكتور محمد عبد الوهاب الساكت أهمية التعاون العربي - الصيني في الفترة الحالية خاصة مع المتغيرات الكثيرة التي شهدتها المنطقة العربية في الفترة الأخيرة وأبرزها احتلال العراق وتوقف مسيرة السلام في الشرق الأوسط والإعلان عما يسمى بالشرق الأوسط الكبير ويزيد من أهمية الموضوع تنامي قوة الصين وتعاظم دورها السياسي والاقتصادي، الأمر الذي يرشحها لأداء دور متميز في التخفيف من هيمنة الولايات المتحدة والثقل العسكري والاقتصادي وحيد الاتجاه كما أن المنطقة العربية تعتبر امتداداً استراتيجياً لمناطق محيطة بالصين بل إنها كانت تعد من دول الجوار للصين في فترة المد الإسلامي.
وتشير الدراسة الى أن كافة المعطيات القائمة والتوقعات المرتقبة تؤكد على أن التعاون العربي الصيني مقبل على مرحلة لافتة من النمو والاتساع ،وهو الأمر الذي دعا المسئولين الصينيين إلى القول بأنه إذا اتحد شرق آسيا الذي تقع فيه الصين مع غرب آسيا وشمال إفريقيا الذي تقع فيه البلاد العربية فإن ذلك سوف يؤدي إلى التأثير على مسيرة الأحداث الدولية ويساهم في تخفيف الدعوة إلى تعددية الاقطاب وهو الأمر الذي لا ترغب فيه الولايات المتحدة مما دفع لتخصيص قسم كبير في السفارة الأمريكية في بكين لمراقبة تطور التعاون ما بين الصين والدول العربية وكذلك الحال في السفارات الأمريكية بالبلاد العربية.
إلا أن هذه المحاولات الأمريكية لم تمنع تطور العلاقات العربية الصينية التي توجت في نهاية شهر يناير 2004 بإعلان إنشاء منتدى التعاون العربي الصيني بعد لقاء الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى مع الزعيم الصيني (هو جن تاو) ووزير خارجيته (لي شاو) وهو الأمر الذي اعتبر يوماً مشهوداً في تاريخ العلاقات العربية الصينية لأنه سيساعد على تطوير علاقات التعاون بين الجانبين بدرجة تتلاءم مع رغبات وطموحات الجانبين وتعكس البعد التاريخي لهذه العلاقات وقد وافق مجلس الجامعة العربية في اجتماعه 4 مارس 2004 على المشروع النهائي لإعلان المنتدى بعد التعديلات التي أدخلت عليه من قِبل الطرفين خلال الثلاث سنوات الماضية.
وقد أكد الرئيس الصيني على إعلان إنشاء هذا المنتدى جاء نتيجة طبيعية لما شهدته السنوات الأخيرة من تطور جدي في العلاقات بين الصين والعالم العربي والى تزايد الزيارات المتبادلة بين الجانبين وحيث تضاعف حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية عشر مرات على مدى السنوات العشر الماضية وحيث بلغ عام 2003 حوالي 25 مليار دولار بزيادة قدرها 3.4 % عن العام السابق وهناك توسع ملحوظ في التعاون بين الجانبين في المجالات الثقافية والتعليمية والعلمية والسياحية لافتاً الانتباه الى اهتمام الصين الكبير بدور الدول العربية وتأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
|