* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي البلهاسي :
دلالات كثيرة افرزتها نتائج انتخابات البرلمان الاوروبي التي جرت الأحد الماضي، هذه الدلالات لخصتها عناوين الصحف ووكالات الانباء التي تناولت نتائج الانتخابات بالتحليل تحت عنوان (الرأي العام الاوروبي يعاقب حكوماته) وذلك بعد ان منيت معظم الأحزاب الحاكمة في 19 دولة اوروبية بهزيمة قاسية فيما رأى المراقبون ان مواقف الحكومات الاوروبية من الحرب على العراق لعبت دورا كبيرا في موقف الرأي العام الاوروبي منها ويشير المراقبون إلى ان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ورئيس الوزراء الاسباني الجديد خوسية ثاباتيرو كانا طرفي المعادلة في هذه الانتخابات. ففي الوقت الذي تلقى فيه بلير عقاب ناخبيه بسبب تأييده القوي للحرب على العراق حظي ثاباتيرو بتأييد كبير بسبب قراره سحب القوات الاسبانية من العراق.
مكافأة ثاباتيرو
وبنجاحه الساحق في انتخابات البرلمان الاوروبي يكون ثاباتيرو قد تلقى مكافأته الثانية بسبب مواقفه الايجابية من الحرب على العراق وذلك بعد فوز حزبه الاشتراكي بالانتخابات الاسبانية في مارس الماضي وتوليه رئاسة وزراء اسبانيا خلفا لازنار الذي كان يوصف بالحليف الاستراتيجي لامريكا في الحرب على العراق والذي دفع ثمن تحالفه القوي مع بوش في الحرب على العراق وكان اول من دفع الثمن من الحلفاء بخروجه خاسرا في الانتخابات الاسبانية، وبعد هذه الانتخابات التي مثلت نتائجها مفاجأة لامريكا وحلفائها توقع المراقبون ان يكون لها تأثير قوي على مجريات السياسة الدولية وعلى التحالف الاوروبي والعلاقة مع امريكا وان بوش وبلير ستظل تطاردهما لعنة هذه الانتخابات وتهدد بضياع مستقبلهم السياسي ولاشك ان مواقف ثاباتيرو المعلنة بعد فوزه برئاسة وزراء اسبانيا قد ساهمت بشكل كبير في زيادة شعبيته في الداخل والخارج وكان لها اثر ايجابي في فوزه وحزبه في انتخابات البرلمان الاوروبي فقد دأب ثاباتيرو على توجيه انتقادات لاذعة لكل من بوش وبلير ووصف حربهما على العراق بالكارثة معلنا انه سيسحب جنوده من العراق وهو الموقف الذي لاقى استحسانا وقبولا داخل اسبانيا وخارجها وساهمت فضائح القوات الامريكية والبريطانية في سجن ابو غريب وزيادة عدد القتلى في صفوفهم من تأييد الرأي العام الاسباني والاوروبي لقرار ثاباتيرو وبسحب القوات الاسبانية من العراق وهو القرار الذي دافع عنه ثاباتيرو واصر عليه رغم ضغوط الولايات المتحدة، ويقول المراقبون ان مواقف ثاباتيرو كان لها تأثير كبير في فوز حزبه الحاكم في انتخابات البرلمان الاوربي الاخيرة.
وكان لموقف ثاباتيرو اثاره الايجابية على مواقف دول اوروبية أخرى على رأسها استراليا التي تواجه فيها حكومة جون هاوارد المؤيدة لغزو العراق مأزقا سياسيا شديد الصعوبة وذلك بعد ان وعد زعيم حزب العمال المعارض مارك لاثام بسحب القوات الاسترالية من العراق بحلول عيد الميلاد في حال فوزه في الانتخابات وهو ما يرى فيه المراقبون تكرارا للسيناريو الاسباني الذي اطاح بازنار وجاء بثاباتيرو على رأس السلطة ويتوقع المراقبون ان يلقى جون هاوارد مصير ازنار في الانتخابات المقبلة الامر الذي سيكون له ابلغ الاثر على العلاقات مع امريكا التي وصفت سحب القوات الاسترالية من العراق بأنه سيكون كارثة.
معاقبة بلير
أما رئيس الوزراء البريطاني توني بلير فلم تكن خسارته الفادحة في انتخابات البرلمان الاوروبي اول ثمن يدفعه لتأييده القوي لبوش في غزو العراق وربما لن يكون الاخير ايضا حيث يتوقع المراقبون ان تتواصل اخفاقات بلير حتى يلقى هزيمة نكراء في الانتخابات العامة المقبلة في بريطانيا ويتخوف بلير من تكرار نتائج انتخابات عام 2000 المحلية وانتخابات البرلمان الاوروبي التي جرت عام 1999 والتي تقدم فيها المحافظون رغم استطلاعات الرأي التي كانت تميل لصالح العمال ويزيد من قلقه ان نتائج استطلاعات الرأي المتتالية تشير إلى تراجع شعبية حزبه وشعبيته بنسب كبيرة بسبب مواقفه من الحرب على العراق وهو ما يهدد فرصته في الفوز بالانتخابات العامة المقبلة وكان بلير قد تلقى صفعة قوية من ناخبيه في جميع انحاء بريطانيا مع اعلان خسارة حزب العمال 97 مقعدا في 45 مجلسا في اطار الانتخابات المحلية التي تمثل اكبر مؤشر لقياس الرأي العام تجاه الأحزاب البريطانية وانعكست هذه النتائج علي الوضع الداخلي في بريطانيا حيث حذر بيترهين وزير الدولة لشئون ويلز في الحكومة البريطانية من ان رئيس الوزراء توني بلير قد يواجه هزيمة نكراء في الانتخابات العامة المقبلة في حالة عدم تراجع الناخبين الغاضبين عن مشاركة بلادهم في الحرب على العراق عن موقفهم المعارض لحزب العمل الحاكم ويعتبر هين اول شخصية عمالية بارزة تعترف بعمق الازمة التي تواجه الحكومة البريطانية الحالية عقب تراجع الحزب الحاكم إلى المركز الثالث بعد حزبي المحافظين والاحرار الديمقراطيين في انتخابات المجالس المحلية التي جرت في الاسبوع الماضي ويقول المراقبون ان احتجاج الناخبين على حزب العمال يدفعهم للتصويت لأحزاب أخرى اقل شأنا مثل حزب الاحرار الديمقراطيين أو حتى حزب الاستقلال الذي ينادي بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي ويشير إلى ان هذا الموقف قد يؤدي في النهاية إلى صعود حزب المحافظين إلى السلطة في بريطانيا من جديد ويتوقع المراقبون ان يواجه حزب العمال بزعامة بلير هزيمة مخزية جديدة ربما ستكون اسوأ من نتائج انتخابات المجالس المحلية التي كشفت عن خسارة العمال 462 مقعدا وثمانية مجالس ويؤكد المحللون السياسيون ان موقف بريطانيا من الحرب على العراق يعتبر السبب الرئيسي في خسارة بلير لثقة الشعب البريطاني وان هذه الاخفاقات نتيجة متوقعه بعد ان شنت الصحف المحلية في بريطانيا هجوما عنيفا ضد توني بلير واثارت العديد من التساؤلات حول صلاحيته لزعامة البلاد ويقول المراقبون ان الفترة المقبلة ستكون عسيرة على حزب العمال الذي يتوقع ان يواجه النتائج الأسوأ من البريطانيين خاصة وان نتائج الانتخابات المحلية وانتخابات البرلمان الاوروبي ستشكل المزيد من الضغوط على حكومة بلير حيث سيستغلها المحافظون لاسقاط الحكومة وانهم سيستغلون اخفاقاتها في الانتخابات الاقليمية والاوربية للاطاحة بها.
ضربة للتحالف مع امريكا
ويؤكد المراقبون ان نتائج انتخابات البرلمان الاوروبي وجهت ضربة قاسية للمتحالفين مع امريكا وعلى رأسهم بلير وبيرلسكوني وهاوارد الذين تطارهم لعنة الانتخابات الاسبانية التي اطاحت بأزنار ويطاردهم شبح السقوط المدوِّي بعد ان بدأ الرأي العام في معاقبتهم على مواقفهم من الحرب على العراق ويشير المراقبون إلى ان توالي سقوط رموز المتحالفين في الحرب على العراق في اوربا سيؤدي بالضرورة إلى اتساع الهوة في العلاقات مع امريكا خاصة في ظل الصحوة التي ظهرت في اوساط الرأي العام الاوروبي والتي أكدت ان الاوربيين في السنوات العشر الاخيرة شعروا بالتحرر من الضغط الامريكي أو بالمعنى الاصح التحرر من الارتباط والانسياق وراء السياسة الامريكية وتزامن هذا مع تنامي الوعي الاوروبي بالحرية والاستقلال في ظل تنامي صعود الاتحاد الاوروبي كقوة عظمى في العالم ويربط المحللون بين مواقف الرأي العام الاوروبي في الانتخابات المحلية والعامة وانتخابات البرلمان الاوروبي وبين الاستطلاعات التي جرت في اوروبا مؤخرا وكان من نتائجها اختيار اسرائيل كاول واخطر بلد يهدد السلام العالمي وهي الاستطلاعات التي اثبتت تحرر الاوربيين من الضغوط السياسية والاعلامية التي تنتهجها امريكا واسرائيل لتنزييف وعي الشعوب والتأثير على الرأي العام العالمي ويشير المراقبون إلى ان الاوربيين بدأوا يشعرون ان التدخل الامريكي والاسرائيلي في شئونهم وحياتهم قد تجاوز كل حد وانهم بدأوا يرفضون الابتزاز الاسرائيلي بدعوى الهولوكوست كما انهم بدأوا يعبرون عن نفورهم من الحرب وهو ما عبروا عنه منذ البداية بمظاهراتهم العارمة التي اجتاحت اوروبا كلها ضد الحرب على العراق ويتوقع المراقبون ان يزداد المأزق السياسي للمتحالفين الاوربيين مع بوش في الفترة المقبلة خاصة وانهم لا يتلقون اي دعم امريكي يساعدهم في الازمة الداخلية التي يعانون منها ويبدو هذا طبيعيا في ظل معاناة بوش نفسه من نفس المأزق السياسي في الداخل الامريكي وقد يواجه بوش نفس المصير الذي ينتظرهم جميعا وهو السقوط المدوِّي بسبب الحرب على العراق.
|