Thursday 17th June,200411585العددالخميس 29 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

مشروع الشرق الأوسط الكبير بين خياري الفرض والمثاقفة السلمية مشروع الشرق الأوسط الكبير بين خياري الفرض والمثاقفة السلمية
د. عبدالعزيز بن عبدالله السنبل*

منذ مدة والإعلام العالمي والعربي بالخصوص يلوك مسألة ما عرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير، ذلك المشروع الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي بوش في إطار رؤيته للهيمنة الأمريكية الشاملة على العالم وعلى العالم العربي والإسلامي بشكل خاص.
ولئن كنا قد كتبنا مقالات متفرقة تناولنا فيها هذا الموضوع في بعض جوانبه وتجلياته، فإننا اليوم مطالبون بإعادة تناوله بطريقة مغايرة تتوخى استقراء الدوافع الأمريكية وراء ذلك، وكذلك ما نرى انه كفيل بإسقاط هذا المشروع وإفشاله أو ما هو كفيل بإنجاح بعض جوانبه التي قد تكون بها فائدة لا تمس كرامة الدول أو سيادتها وإرادتها.
ومن هنا نرى ان أول أمر كفيل بإسقاط هذا المشروع وإفشاله هو محاولة فرضه، فكلما كانت المسألة مفروضة وتحمل في طياتها نوعا من الإكراه، كانت مدعاة للرفض والنبذ، كما انه كلما كانت المسألة تحمل في طياتها حياداً عن العدل والموضوعية، كانت كذلك مكروهة ومنبوذة والكل يجزم أن هذه السمات قد طبعت مشروع الشرق الأوسط الكبير منذ الإعلان عنه.
فكيف يمكن لشعوب المنطقة العربية والإسلامية وقادتها ودولها ان تقبل بعد ما يقرب من ستين سنة من الاستقلال والدولة الوطنية أن يقرر الآخرون مصيراً جديداً لها، مصيراً يحاكي نفس المصير الذي رسمته القوى الاستعمارية عقب تقاسمها للعالم في اتفاقية (سايس بيكو) وكيف يمكن للشعوب العربية والإسلامية وقادتها أن تتعامل مع مشروع يفرض عليها وهو في الوقت ذاته لا يتناول قضاياها المصيرية التي سلط عليها من خلالها شتى صنوف الظلم وسلب الحقوق؟ فكيف يمكن لنا أن نقبل بمشروع لا يتناول بالنص وبكل وضوح مسألة الصراع العربي الاسرائيلي، ويتعرض بالنقد الموضوعي لتاريخ التعامل الغربي المنحاز مع هذا الصراع، وأن يعبر بصراحة أنه آن الأوان لتصحيح هذا الخلل، من خلال التزام الولايات المتحدة بإيجاد حلِّ عادل وشامل له، من خلال تطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وأنها عازمة على إعطاء العرب والفلسطينيين كافة حقوقهم في الاستقلال وتحقيق المصير، وبناء الدولة وعودة اللاجئين إلى غير ذلك من الحقوق الأساسية والمنصوص عليها في عدد من القرارات الدولية.
كما أنه على أمريكا والغرب إن كانوا صادقين في توجههم الإصلاحي في المنطقة ان يكون ذلك بالتشاور مع أهلها وبمباركتهم وتعاونهم، وإلا فكيف يقبل العرب والمسلمون أن ترسم لهم الخطط الجاهزة من الخارج وتفرض عليهم فرضاً ان ذلك يعد أكبر دليل إضافة إلى ما قلنا على عدم مصداقية المشروع الأمريكي الغربي لإصلاح المنطقة الإسلامية، ومن أوكد السمات على اتجاهه للفشل والسقوط. أما إذا أراد الأمريكان والغرب كله معهم ان ينجح مشروعهم فعليهم أولا ان يقبلوا بأن تكون مسألة الإصلاح نابعة من داخل المنطقة وان يكون دورهم في ذلك استشارياً وداعماً، فبإمكانهم ان يقدموا التصورات والخطط البناءة والاستراتيجية للإصلاح وان يساعدوا الدول في المنطقة على النهوض الاقتصادي والاجتماعي والمعرفي، وان يشجعوا الاستثمار فيها ويعملوا مع دولها لخلق مشاريع اقتصادية عملاقة. مشاريع تخلق مواطن عمل وتقضي على البطالة، ومشاريع سياسية تعمد إلى تشجيع جوانب الإصلاح السياسي والاجتماعي الطوعي والسلمي الذي يحمل في طياته تشجيع المثاقفة السلمية والعادلة. المثاقفة التي تحفظ الحقوق الثقافية والحضارية والتاريخية لهذه الأمة في التميز، وحقها كذلك في الاختلاف. ومن هنا فقط، يمكن للغرب ولأمريكا بالذات ان تبلغ هدفها في إصلاح المنطقة من خلال تشجيع أصحابها على إصلاح شؤونهم وتكيفها مع المتغيرات الدولية دون إرغام ولي للأذرع.
ولكن كل ما قلناه يبدو انه ليس من ضمن مشمولات المنظور الأمريكي، فالأمريكيون يتخذون من محاربة الإرهاب شماعة يستبيحون بها كل غبن وظلم في حق شعوب المنطقة سواء أكان ذلك في فلسطين أو في أفغانستان أو في العراق، والأمريكيون يريدون إقامة أنظمة حكم ديمقراطية وهم يتعاملون مع الدول والشعوب بدون ديمقراطية، فهل ان للديمقراطية وحقوق الإنسان مقاييس ومكاييل مختلفة فعلى من يريد للعالم العربي والإسلامي ان يكون ديمقراطياً ان يبدأ بتصحيح أفعاله وأقواله، ومن ثم يعطي المثال ليحتذى به. وهنا نتساءل، هل من الديمقراطية ما يحدث في فلسطين منذ ما يزيد على الستين سنة، وهل من الديمقراطية ان تجيش الجيوش وتغزى الدول المستقلة ذات السيادة وتحتل، وهل من الديمقراطية أن يدعى لمؤتمر لتقرير مصير دول دون ان تستدعى وتتشاور معها بطريقة ديمقراطية تمكنها من التغبير عن رؤيتها فيما يخص شؤونها.
ان كل هذا بطبيعة الحال ليس ديمقراطيا ومن ثم فكل ما أسس على باطل فهو باطل، ثم انه في المقابل كان ينبغي للأمريكان أن يقبلوا ان المنطقة العربية الإسلامية والدولة الوطنية فيها قد قطعت أشواطاً كبيرة على طريق النضج والحداثة، فقد شيدت بنى تحتية إنشائية وتعليمية وصحية، وكُوِّنت نخب واسعة في شتى فنون ومتطلبات الحياة العصرية رغم الظلم والتآمر الخارجي وطابع اللاسلم طويل الأمد، الذي عرفته المنطقة العربية الإسلامية بسبب الصراع العربي الاسرائيلي الذي استنفد الكثير من مقدرات المنطقة على مدى سنين طويلة.
كما انه ينبغي للأمريكان الاعتراف بخصوص الممارسة السياسية في المنطقة العربية الإسلامية وهي الممارسة التي تعود خصوصيتها إلى خصوصية ثقافة وحضارة المنطقة وأن ليست الديمقراطية بالطريقة الغربية هي الوحيدة الصالحة لشعوب العالم، بل إن الممارسة الشوروية العربية الإسلامية التاريخية لها هي الأخرى محاسنها وخصوصيتها وغيرها وإلا أليس من الديمقراطية والعدالة ما هو شائع من تقليد شوروي في بلاد عربية إسلامية كالمملكة العربية السعودية، هذه البلاد التي يعتبر فيها باب الحاكم مفتوحاً أمام كل مواطن مهما كانت الفئة والجهة التي ينتمي إليها وذلك في إطار ما يعرف بسياسة الباب المفتوح، هذه السياسة التي تشكل تفرداً عربياً إسلامياً يرجع إلى أولى الممارسات الدولية في التاريخ العربي الإسلامي منذ أيام الخلفاء الراشدين؟ أو ليس من الديمقراطية كذلك وجود ما يعرف بديوان المظالم الذي يسهر على وضع كل حق في نصابه؟ أو ليس من الديمقراطية كذلك وجود ما يعرف بديوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يُعد بمثابة جهاز يسهر على حفظ ونشر الفضائل المتناسبة مع الثوابت الثقافية والدينية والتاريخية للمجتمع؟ أو ليس وجود ديوان أو مجالس للشورى تمثل ما يتعارف على تسميته بمجالس الشعب أو المجالس النيابية والتي تعبر عن إرادة الشعب وتوجهاته وتطلعاته؟ أو ليس وجود دواوين للمراقبة العامة هي ممارسة تسعى إلى حفظ المال وتراقب آليات صرفه وتوظيفه ومحاسبة من يعبث به وفق ما هو معمول به في الدول التي تتبنى الصيغ الديمقراطية؟
إن أشياء من هذا القبيل ينبغي على الأمريكان والغرب من ورائهم ان يقدروها حق قدرها وان يحفظوا لأصحابهم خصوصيتهم وحقهم في التميز، وان يكون تعاملهم مع أصحابها يعتمد الاحترام والقبول وبالتمايز بدل ان يعتمد التعالي والتجاهل للفضائل والمحاسن في الممارسة التاريخية والمعيشية للشعوب والدول. ومن هنا، جاء رفض بعض الدول العربية المهمة للمشاركة في مؤتمر الدول الثماني المصنعة الذي ينعقد في الولايات المتحدة الأمريكية لأنه مؤتمر يريد التقرير نيابة عن الآخرين وفرض الأمر الواقع عليهم، في حين يظل السعوديون ومن معهم من العرب الغيورين على استقلالهم وخصوصيتهم وتميزهم متشبثين بحقهم في تقرير شؤونهم بأنفسهم وبحقهم في ممارسة التعامل مع الآخر من خلال مبدأ المثاقفة السلمية والعادلة، المثاقفة التي تعتمد الاقتباس الصالح والمفيد وتنبذ التقليد الأعمى والفرض القسري واللاعادل. المثاقفة التي لا تسير انطلاقاً من رؤى مصلحية ضيقة وأنانية.
ومن هنا، لا بد من القول ان هذا النوع المختار من المثاقفة السلمية هو المفضل تاريخياً لدى العرب والمسلمين، فهم من وطّن علوم الأولين وترجمها، وعرَّف الغرب بها من أيام المأمون وانتهاء بابن رشد، وهم من تعاطوا من خلال مصلحيهم مع إيجابيات النهضة الغربية الحديثة ودعوا إلى الاقتباس منها ومحاكاتها في جوانبها الإيجابية لكنهم منعوا من ذلك من خلال الاستعمار ومن بعده من خلال ما اصطنع في منطقتهم من صراع مستديم سببه إنشاء كيان إسرائيل في داخلهم. كما ان الإرادة في الإصلاح الداخلي ظلت هماً عربياً داخلياً يتوق إليه كافة العرب وعبروا عن ذلك بوسائل وخطوات عديدة على هيئة مؤتمرات رسمية وشعبية كما حدث في المؤتمر الشعبي العربي بالإسكندرية وصنعاء، وفي الدوحة وقبرص، وفي قمة تونس، وفي غير ذلك من المؤتمرات إضافة إلى ما سطره المصلحون والمثقفون من دراسات وبحوث لاقت استحساناً وقبولاً رسمياً وشعبياً في المنطقة العربية الإسلامية.
لكن الأمر الذي حال دائماً دون الإصلاح، هو وجود الكيان الصهيوني في قلب الأمة وصراعه الطويل معها وسلبه لحقوقها الجغرافية والتاريخية والدعم الشامل الذي يلقاه هذا الكيان من طرق الأمريكان والغرب عموماً على نحو جعل التوجهات الداخلية العربية للإصلاح والتحديث في شلل دائم نتيجة انصراف العرب إلى التعاطي المستمر مع ملف صراعهم مع إسرائيل والغرب من ورائها. ومن هنا، يكون الإخفاق العربي في الإصلاح مرده إلى تآمر الغرب والأمريكان بالخصوص عليه. وعليه، يكون لنا الحق في طرح السؤال التالي: ألن يكون ما يروج له من مشروع أمريكي لإصلاح المنطقة هو نوع من التآمر على إصلاح المنطقة، ولكن مخفى في ثوب الإصلاح هذه المرة؟

* نائب المدير العام للمنظمة العربية للتربية
والثقافة والعلوم


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved