أن تكون المرأة أوفر حظاً في التعليم أو الثقافة من زوجها أصبح أمراً اعتيادياً ومقبولاً وحقيقة واقعة في كثير من المجتمعات العربية, وليس في ذلك ما يعيب الرجل أو يقلل من قوامته أو مكانته، فهو (زوج) وهي (زوجة) قبل كل شيء وبعد كل شيء، ولكل واحد منهما نحو الآخر حقوق وعليه واجبات لا تتأثر هذه الحقوق والواجبات بالمكانة الاجتماعية أو المستوى التعليمي أو الثقافي لأي منهما.
وهذا كله يدخل في اطار ما يوجه به ديننا الحنيف الذي لا يفرق بين الرجل والمرأة في مسألة العلم، ورسولنا (ص) قال ذلك بوضوح: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة).
فالزوجة مهما علا مستواها الاجتماعي أو التعليمي أو الوظيفي لا تكون (سيدة) في بيتها إلا بخدمة زوجها ورعاية أولادها وابعاد سفينة الأسرة وهي تخوض غمار بحر الحياة عن العواصف والرياح المعاكسة ومواجهة الأمواج، فإذا لم تستطع ان تعين سفينة الأسرة على السير في مسارات النجوم الآمنة تكون قد فشلت في توظيف علمها وخبرتها في خدمة أهم رسالة في حياتها ألا وهي بيتها وزوجها وأولادها.
والمشكلة تبدأ عندما تعطي بعض الزوجات من ذوات التعليم العالي وظيفتها ولمعانها الاجتماعي اهتماماً أكثر من اهتمام بيتها, ولا تستطيع أن تفصل بين شخصيتها خارج البيت وداخل البيت، فتهمل الاهتمام بأشياء أساسية تعتقد أنها تافهة مثل تفقد الاحتياجات الصغيرة للزوج والأولاد والاتكال على الخادمة في كل شيء لدرجة تتيح الفرصة للخادمة أن تقوم بدور الزوجة والأم نيابة عنها ثم يحدث مالا تحمد عقباه.
وقد تكون الزوجة الموظفة طبيبة أو استاذة جامعية أو تحضر للماجستير أو الدكتوراه وتؤدي في الوقت نفسه نصابها من التدريس، فيكون الكثير من وقتها داخل البيت لخدمة أبحاثها ودراساتها فلا تلقي بالاً لأهمية الجلوس مع الزوج وقد تتركه ينام وحيداً دون تفقد احتياجاته العاطفية والمادية، وتسهر على كتبها وأوراقها، وقد تغيب ليلة كاملة مناوبة في المستشفى ان كانت طبيبة دون أن تسأل عنه أو تتفقد حاله بكلمة تشعره باهتمامها ومحبتها.
وهذا النوع من التقصير تستطيع الزوجة السوية تداركه بالتفاهم مع الزوج واشعاره بالتقدير ووعده بالتعويض عن كل ما فات. ولكن مشكلة أخطر تنشأ عندما يترسب في اعماق الزوجة انها أصبحت أفضل من زوجها وأنها أكثر تعليماً وثقافة منه وقد يكون دخلها المادي أكثر منه أيضاً، فيدخلها الغرور فتستضعفه وتستكبر على خدمته وخدمة بيتها، وتقطع جسور التواصل معه لأنها تشعر أنها فوق مستواه ولن يفهمها، فتجف ينابيع العواطف بينهما ويلغى الحوار، وتكون السيادة للصمت أو للخصام فقط أو حديث عابر لا يخرج عن دائرة طلبات البيت والأولاد ومشاكل السائق والخادمة، وقد يتذرع بعض الأزواج بالصبر على هذه الحالة على كراهة اذا كان يكبرها كثيراً في السن أو أن دخله المادي لا يفي بمتطلبات البيت أو تقوم هي بمعظم النفقات فتشعر أن لها يداً عليه فيزداد غرورها وثقتها بنفسها فتكتسح سلطاته وتقوض (قوامته) ثم تندم بعد حين وبعد مضي السنين وتقدم العمر ونضج التجربة، فتشعر بحاجتها إلى وجود رجل (قوي) إلى جوارها، وتكتشف أن بريق الشهادة ووهج الوظيفة والمكانة الاجتماعية لم تستطع ان تغنيها عن وجود (الرجل القوي) في حياتها، وتبحث عن هذه (القوة) في شخص زوجها فلا تجدها. وقد تجد أولادها قد سبح كل واحد منهم في بحر أو خطفه تيار في غفلة عنها فلا تستطيع أن تستنقذه، فتتذكر الزوج الذي حطمته، وتتذكر حاجتها إلى (قوته) لاعادة من خطفه التيار من الابناء لكنها تجده أضعف من ان يعينها على ذلك، فتهون امامها الشهادة العالية وترخص الوظيفة الكبيرة ويفقد المال قيمته وتكتشف أن وجود (الزوج) في حياتها بكامل (صلاحياته) أهم من كل الذي حققته ولكن بعد فوات الأوان.
(وللحديث بقية)
|