كل ما في الساحة العراقية يغري بالتصعيد نحو الأسوأ، فالتفجيرات اليومية التي يشوبها قدر كبير من الغموض هي مدعاة إلى شكوك وتفسيرات شتى حول من يقف وراءها، ولأن لا شيء منطقياً وعقلانياً في هذه الفظائع فإن تداعياتها تأخذ ذات المسار اللاعقلاني..
وقد يكون ما نراه الآن من تفجيرات هي الرد على أعمال عنف أوتفجيرات سابقة، ومع بشاعة ما يحدث فلا يمكن للمراقب إلا ان يلحظ، ربما ببعض التقدير، انه رغم هذه الأهوال فإن قدراً من رباطة الجأش تظهر في تصرفات العراقيين، وانه يبدو كما لو ان هناك خطوطاً حمراء يتفق العراقيون على ألا يتجاوزوها، وبالذات فيما يتصل بالموضوع الحساس المتصل بالطوائف الدينية، بل ان العكس هو ما يحدث، فقد رأينا في مناسبات عديدة تعمد زعماء الشيعة والسنة على إظهار الوحدة والآراء المشتركة تجاه مختلف الموضوعات.
على أن ذلك ليس كل شيء، فحالة الهدوء البادية على الصعيد الطائفي لا تنفي ان هناك من يعمل على إحداث شرخ في هذه الصيغة القادرة حتى الآن على الحفاظ على سلامة المجتمع من الاختراق وعلى التعايش مع مختلف النقاط الساخنة وتفادي أية مواجهة قد تقود إلى انفلات غير مرغوب فيه..
ما يدفع الى الحديث عن هذا الأمر هو الحرص على سلامة العراق المثخن بالجراح والخوف من ان تتسع حالة الانفلات الأمني لتطال الأعمدة الأساسية في البناء المجتمعي العراقي، فهناك اتهامات خرجت أمس من الشيعة تقول ان أهل الفلوجة، وهي بلدة سنية، قتلوا عدداً من الشبان الشيعة ومثلوا بجثثهم.. ومن ثم ساد تشييع القتلى حالة من الصراخ الذي كانت تتردد خلاله مطالب بالانتقام للقتلى..
ومن الواضح ان الخبر هنا لا يكتفي بمجرد القتل بل يشير الى التمثيل بالجثث، وذلك أمر يعمق من أثر الخبر ومأساويته، وقد يؤجج من حالة احتقان واضحة أو مخفية تحت باب الحرص على الهدوء وعدم الانتفاض لأي بادرة قبل التأكد من صدقيتها.. وفي كل الأحوال فإن هناك حاجة ملحة للتثبت مما حدث ولتطويق احتمالاته الخطرة من جهة ردود الفعل.. فأكثر ما يخشى في العراق مواجهة بين السنة والشيعة، ولهذا لطالما تم تجاوز حوادث هنا وهناك مقصودة وغير مقصودة حفاظاً على الصيغة المثلى في التعايش بين الجانبين.
|