Wednesday 16th June,200411584العددالاربعاء 28 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

أنت أنت
من مشاكل وكالات الدعاية والإعلان
م. عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

تجدر الإشارة بسرعة إلى أن مجتمع هذه المملكة الفتية كان قبل عقود من الزمن، يخلط كثيراً بين مفهوم (الإعلام) ومفهوم (الإعلان) بدليل قيام دور نشر وإدارات ومراكز، ووكالات (أهلية) تدعي كلها إنها إعلامية- أي تمارس العمل الإعلامي- بل وتصر عند تقديم طلب الترخيص على أن تكون كلمة (الإعلام).. ضمن مجال عملها، لعل وعسى أن تتاح لها الفرصة مستقبلاً لامتلاك إصدار مجلة أو نشرة تحمل لها بعض العوائد من الإعلانات، خصوصاً وان الطيور طارت بأرزاقها بعد ثبات وترسخ وضع المؤسسات الصحفية.
وكانت الإدارة العامة للمطبوعات بوزارة الإعلام آنذاك لا تدقق كثيراً في مؤهلات طالب الترخيص أو في مسمى الترخيص، ربما من قبيل تشجيع المواطنين على الدخول في حيز العمل الإعلامي، فحصل الكثيرون على تلك التراخيص بكل سهولة وعفوية. ولم يكن لديهم القدرة أو الخبرة لممارسة المهنة الإعلامية على أصولها، حيث اقتصر عملهم على جمع الإعلانات من المعلنين ويقوم الخطاطون لديهم بوضع عناوين الإعلانات العريضة وتصميم إطارات الإعلانات بطريقة بدائية ومن ثم نشرها في الجرائد والمجلات فقط وبدون ألوان.
وعندما شرعت المملكة في النهوض في مختلف جوانب ومجالات الحياة علمياً وعمرانياً واجتماعياً واقتصادياً وإعلامياً، جرى البحث والمراجعة والتمييز بين العمل الإعلامي والعمل الإعلاني فأصبحت وزارة الإعلام- التي أصبح اسمها لاحقاً وحالياً وزارة الإعلام والثقافة- هي المسؤولة عن العملية الإعلامية والتي تمتلك أو تشرف على الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية، أي (الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون والقنوات الفضائية) وغير ذلك، وأصبح مفهوم الإعلام ككل يعني إعلام الدولة، وأصبحت مهمته إخبارية.. إرشادية.. توجيهية.. تثقيفية، وتقوم وزارة الإعلام والثقافة بكل ذلك مجاناً لإفادة جميع شرائح المجتمع. ثم جرى سحب كلمة (إعلام) من مسميات المراكز ودور النشر والوكالات ومن ترخيصها ولافتاتها، حيث أصبحت هذه الجهات الأهلية أو ما يسمى بالقطاع الأهلي (الخاص) يمارس العمل الإعلاني لا الإعلامي. وحيث أصبح (الإعلان) مهنة خدمية، تقدم خدمات تسويقية.. إبداعية..فنية.. استشارية، وأصبح مثلها تماماً مثل المسوق والفنان والمبدع والمستشار القانوني والإداري والاقتصادي.
وإذا أخذنا وكالات الدعاية والإعلان كمثل للجهات الإعلانية وجدنا أن وكالات الإعلان تواجه الكثير من المشكلات المعقدة لدى تعاملها مع العميل المعلن أو صاحب المنشأة الإنتاجية، لاسيما من الناحية الاستشارية التي تسبق أو تواكب مرحلة التصميم والتنفيذ في نهاية الأمر، كما أصبحت تواجه مشكلات التمويل والتسويق وإيجاد الكفاءات والخبرات.
وهنا اتساءل: لماذا لا تقوم الدولة بدعم المراكز والوكالات الإعلانية إذا كانت تريد لها ان تنشط وتتفوق في أداء عملها، وتعكس صورة طيبة وجميلة للمجال الإعلاني سواء في الداخل أو الخارج؟.. أليس النشاط الإعلاني جزءاً من النشاط الإعلامي؟
في العالم المتقدم يسمون المستشار ب (Hired jun) أو المدفع المستأجر.. أي أنه يفترض فيه القدرة على إيجاد الحلول والمخارج الممكنة لعمل يريد تحقيقه طالب الخدمة الاستشارية والدافع لقيمتها.
وكالات الإعلان تواجه مشكلتين مهمتين: الأولى هي ان العميل إما أنه يعرف ما يريد، لذلك يفرض رأيه ويواجه الإعلان من تصميم ونص إلى ما يناسب فهمه هو وذائقته هو.. دون اعتبار لحقيقة ان الإعلان موجه لغيره وليس له.. والثانية انه لا يعرف ماذا يريد لكنه يريد من وكالة الإعلان ان تخترع له شيئاً لا يعرف كنهه ولا وصفه.
ومن سوء حظ (وأحياناً من حسن حظ) وكالات الإعلان ان رأس المنشأة حكومية أوخاصة هو الذي يوافق أو يرفض الأفكار والتصاميم.. ولا يثق في مختصيه.. هذا إذا كان لديه إدارة متخصصة.
أما أكبر مشاكل الوكالة الإعلانية فهو العميل الذي لا يرى ان التصميم والإبداع يستهلك وقتاً وجهداً وبالتالي مالاً.. لذلك يمكن أن ينهك ويبتز كل قدرات الوكالة زمناً طويلاً ثم لا يستمر ولا يستكمل العمل.. وبالتالي لا يرى ان للوكالة أي حق لقاء ما انفق من وقت وجهد تشغيلي.
أيضاً من مشاكل الوكالات الإعلانية أن بعض العملاء يفترض ان لدى الوكالة قدرة تمويلية تغطي حملته حتى يفرجها الله عليه.
أما مشاكل وكالات الإعلان مع إدارات التسويق المتخصصة في الشركات.. هي أن يكون مسؤول التسويق قد درس علم التسويق لكنه لا يملك الحس ولا القبول الفطري لهذه المهنة.. فالمسوق بلا شك يحتاج إلى التعليم الأكاديمي لكنه يصبح تماماً مثل الدارس في معاهد التدريب الفنية وهو لا يملك الاستعداد والقبول الفطري لأن يصبح فناناً تشكيلياً أو موسيقياً.
طبيعة المهنة الخدمية الاستشارية تحتم على طرفي العمل أن تكون العلاقة عبارة عن شراكة استراتيجية تستمر لفترة أقلها سنة واحدة.. والعملاء لا يستوعبون هذا ويحبذون العلاقة المبنية على أساس البائع والمشتري بدلاً من علاقة الموكل والمحامي.
هدر الجهد والوقت الذي يبذله المسوق في (التسوق) بدلاً من (التسويق) فبعض المسوقين يتحول إلى مدير مشتريات بدلاً من مدير تسويق.. ففي كل مرة يكون لديه عمل إعلاني يلهث وراء التوفير علماً بأن هذا التوفير لا تساوي قيمته قيمة وقته المدفوع ليسوق بدلاً من قضاء وقت في التسوق.
بعض العملاء يعتبر أن من الشطارة والمهنية الاحترافية أن يتعامل مع ثلاث أو أربع وكالات إعلان بشكل مستمر.. ولا يعي أبداً أن هذا يؤدي إلى تشويش صورته لدى الجمهور فمثله مثل الذي يدعو (4) فنانين للاشتراك في رسم صورة واحدة له.. أو يدعو أربعة طباخين لطبخ وجبة واحدة له.
من مشاكل الإعلان أيضاً.. أن العاملين فيه في الغالب فنانون وليسوا تجاراً.. لذلك نجد التناقض في التسعير، وطغيان روح العلاقة الشخصية مع العميل على العلاقة العملية وارتفاع الديون الهالكة.. وضعف التحصيل.. كل ذلك قاد إلى ضعف وكالات الإعلان المحلية وتهاويها واحدة بعد أخرى.
أخيراً.. من مشاكل الوكالات المحلية.. ان زامر الحي لا يطرب.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved