Wednesday 16th June,200411584العددالاربعاء 28 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الاقتصادية"

رأي إقتصادي رأي إقتصادي
النفط ومسمار جحا
د. محمد اليماني

لا يزال النفط وأسعاره الشماعة التي يعلق عليها كثير من الساسة الغربيين وخاصة الأمريكيين أسباب ضعف أدائهم الاقتصادي على الصعيد المحلي، وأصبحت أسعار النفط، وكأنها المحرك الوحيد لاقتصاد العالم، وغدا مبررا لكثير من السلوكيات والممارسات التي تنتهجها بعض الدول الساعية للسيطرة على العالم، وفي الأسابيع الأخيرة أحسن استخدام الزيادة في أسعار النفط الاسمية في توفير مبرر تقليدي لما هو حاصل في الولايات المتحدة الأمريكية، أو لما يتوقع أن يحصل، ولأجل مزيد من الإقناع شنت حملة على دول أوبك مطالبة إياها بزيادة الإنتاج لخفض الأسعار، وكأن ا لسبب هو نقص المعروض من النفط في الأسواق العالمية.
وهنا خلط واضح للأوراق، وقفز بين النتائج والأسباب، فأسعار النفط المرتفعة سبب الركود الاقتصادي العالمي، وليس الأداء السيىء على مختلف الأصعدة للحكومة الأمريكية وارتفاع الأسعار سببه شح الإمدادات وليست الأوضاع غير المستقرة محلياً وإقليمياً في الدول المنتجة للنفط بما فيها المخزن الاحتياطي للاقتصاد الأمريكي (فنزويلا) بسبب السياسات الخاطئة للباحثين عن السيطرة على العالم.
والإشكالية أن منظمة أوبك شعرت بالذنب وبتأنيب الضمير تجاه ارتفاع الأسعار وسارعت مثل أي طالب مجد لا يخالف توجيهات أستاذه إلى زيادة الإنتاج بدون إعطاء نفسها حق البحث عن أسباب ارتفاع الأسعار الحالي، وهل هي مرتفعة فعلا أم لا؟ وما الذي سيترتب على زيادة الإنتاج مستقبلا؟
لا شك أن البحث الموضوعي لارتفاع أسعار النفط الحالي وأسبابه لن يغفل ما تمر به الدول المصدرة للنفط من حالة عدم استقرار كأحد الأسباب الرئيسة لزيادة الأسعار، وهذه الحالة تهدد سلامة الإمدادات وإمكانية وصولها إلى مناطق الاستهلاك بغض النظر عن حجمها، والحل في زيادة الإنتاج بل في العمل على استقرار الأوضاع وانتهاج سياسات متوازنة ومتزنة.
وفي جانب آخر، فدول أوبك بحاجة إلى معيار واضح يتم بناء عليه تحديد ما إذا كانت الأسعار مرتفعة أم لا، فالمدى الحالي الموضوع للأسعار مضى عليه وقت طويل حدثت فيه متغيرات كثيرة توجب إعادة النظر وسعر الدولار انخفض بشكل كبير في حين أن ثلاثة أرباع واردات الدول المصدرة للنفط تقريباً تدفع باليورو، هذا عدا ارتفاع أسعار المنتجات الصناعية وما تفرضه المتغيرات الداخلية في الدول المصدرة من ضغوط على حكوماتها للارتقاء بمستويات المعيشة.
ولذا فإنه من المناسب عند الحديث عن أسعار النفط أن يكون عن الأسعار الحقيقية التي قد تآكلت بشكل كبير، فالسعر ينبغي أن يقاس بكمية السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بواسطة برميل النفط لا بكمية الدولارات التي يوفرها، ولا بأس أن حدد السعر بالسلع والخدمات أن يحول بعدها إلى دولارات، ومتى اتبعنا هذه الطريقة سنجد أن الأسعار انخفضت، وأن ما تحتاجه دول أوبك ربما يكون عكس ما تعمله الآن، فمصلحتها ومصلحة شعوبها تستلزم أن توفر مزيداً من الرخاء لشعوبها لا أن توفره لشعوب الدول المتقدمة على حساب شعوبها، ولا بأس بعد تثبيت أسعار النفط الحقيقية بوجود برامج إضافية لدعم الدول الفقيرة المتضررة من أسعار النفط العادلة.
ما تعمله دول أوبك حالياً يشبه إلى حد كبير الدعم الذي كانت تقدمه حكومات بعض الدول النامية غير النفطية للوقود المباع محلياً من أجل الإبقاء على أسعاره متدنية، وكان الغني والفقير يستفيد من هذا الدعم على حد سواء، بل كان الغني هو الأكثر استفادة لأنه يملك السيارة ومولد الكهرباء وغيرها من الأدوات والأجهزة التي لا يملكها الفقير، ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن وصفة صندوق النقد التي يصفها للدول الفقيرة للخروج من أزماتها الاقتصادية والمالية لا تخلو من بند أساس يتمثل في إلغاء الدعم المقدم للسلع الأساسية مثل النفط والقمح.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved