أشاهد مثلما تشاهدون سيارات جميلة جداً؛ ومكيّف السيارة يلهث ليبدد الحر؛ لكن الراكب قد تلطّم عن لفح المكيف البارد؛ وتفتح داخل الراكب فلا تجد إلا جهلا مطبقا لا غير؛ ولكن أنف ذلك الجاهل المتحذلق أحيانا؛ والمتغطرس كبرا أحيانا يعلو إلى السماء؛ يعلو متكئا على اسم العائلة التي فيها رجل أو رجال رفعوا راية البياض له؛ رجال مضوا ومضى زمانهم؛ وهذا لازال ينخر في عظام أجداده وآبائه التي قد بليت منذ مئين السنين؛ هم فعلا قدّموا ما استطاعوا أن يقدموه في زمانهم؛ لكن لو سألت المتكئ على ذلك الإرث المخدّر له لقال: أنا جدي فلان وأبوي فلان.
هكذا بكل بساطة وسذاجة يغمرك بلسان حاذق وكأنه يخبرك بأمر مسلّم به في أجيالنا الحالية؛ ولو سألته عن نفسه هو لما وجد جوابا سوى ذلك الاتكاء الممقوت الذي يظن هو أنه مجدٍ في زمن العلم والفكر والأعمال التي تحتاج إلى عقول لا عباءات مزركشة أو ألسنة حداد.
أعجب كثيرا ممن ماتت هممهم وصار همّ الواحد منهم أن يملأ بطنه الكبير؛ وأن يستنشق دخان عود البخور الثمين؛ وهو لايقدم شيئا لأمته ولا لقومه الأقربين ولا لوطنه الكبير؛ أي أنه عالة مزعجة على الوطن وعلى الناس؛ لأنه يحسب ضمن تعداد السكان ويستهلك الماء والكهرباء والمئونة أيضا؛ ووجوده وفقده سيّان لا اختلاف في ذلك؛ وأمثال ذلك أظن أن الشحاذين عند إشارات المرور أكثر منهم نشاطا وهمة وحركة؛ لأنهم مخدرون بذلك الاسم فلا يتحركون أبدا.
طبعا لا أقول ذلك بمعنى أني أحرق الجذور أو أنكر تاريخ الأجداد مهما كانوا؛ لكن لا أريد أن يكون الأب أو الجد يمنعان من الاجتهاد والجد؛ فليس كل من يمتلك رصيدا من ذلك التراث الجميل يحق له أن يعيش بيننا كالسائبة من الأنعام؛ ويمنعه ذلك الاسم الرنان من أن يكون إنسانا مثمرا وبنّاءً ومنتجا؛ فإذا اجتمعت في الرجل صفات جميلة وعلم وفكر وحياة نشيطة فذاك أجمل؛ أما أن يكون لا فرق بينه وبين من يقوم بخدمته سوى ذلك الاسم فهذا هو والله الشيء المخجل من وجهة نظري.
والغريب في أمر المتكئين أن عقلياتهم ذاتها لا زالت تعيش على عقليات مضى عليها أكثر من 300 سنة؛ بينما هم في القرن الحالي الذي يتقد حيوية وتفتحا واختراعا ونشاطا لحياة أجمل وأكثر إنتاجية.
ماذا يهمني كمهندس اتصالات أو عمارة أو طبيب أن أعرف عن جدك أو أبيك؟ صحيح أن المعرفة جيدة وأن حفظ أقدار الناس لها ما يبررها؛ لكن أن تعيش أنت على إرث انتهى زمانه وأنت ميت فعلا؛ فلاأقيم لا لك ولا له وزنا أبدا؛ لأن ميزانك عندي هو في العقل والفكر والإنتاجية فقط.....
لا صار ما للفتى فعل به يماري........ ما ينفعه فعل غيره؛ لا يماري به
(شيبان بن قويد)
طفاكس 2372911
|