الذي يتمشى في شوارع بيروت اليوم، ويتذكر كيف كانت شوارع عمان في مثل هذا الوقت من العام الفائت - أي قبل أحداث أيلول الدامية - يرى الشبه كبيرا، ولا يستطيع إلا أن يرى أو يتوقع أن تكون النتائج على قدر التشابه بين الظاهرتين.
في كل صباح يزداد ازدحام الجدران في بيروت بالشعارات المطلية بالبويا الحمراء، تتاجر باسم المقاومة، وتعلن مطالب لا تختلف كثيرا عن تلك التي ملأت في وقت من الأوقات جدران عمان وأسهمت في خلق التوتر الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير - كما تقول الأمثال.
في رأينا أن الذين يملأون الجدران بالبويا الحمراء لا يمثلون مقاومة، ولا من يحزنون، وإن كانت هناك فئات - أو فصائل - كما يحلو لهم أن يقولوا - تريد إبقاء جو الاستفزاز، وخاصة مع بعض الأحزاب اللبنانية التي لا ترى رأي المقاومة الفلسطينية، فأحرى بهذه الفئات أن تعيد تقييم نفسها وقدراتها واستراتيجيتها على ضوء الواقع، وعلى ضوء اعتبارات أخرى كثيرة، وفي رأينا أيضا أن (خيمة كراكوز) التي يسمونها الوحدة الوطنية لم تعد صالحة حتى ولو لترفع شعارا لاستدرار عطف الجماهير التي أصيبت بأكثر من خيبة أمل وبأكثر من صدمة.
قيل لنا منذ مدة الكثير الكثير عن الوحدة الوطنية.. ثم تغيرت الاسطوانة، وبدأ الحديث عن توحيد القيادة، وتوحيد الجباية وتوحيد الإعلام.. ثم قيل: ان كافة المنظمات الفدائية قد وافقت على الانصياع لأوامر القيادة.. وان العمليات داخل الارض المحتلة سوف تصدر دوما باسم القيادة العامة.. وقلنا.. إنها خطوة ولو شكلية، إلا انها قد تكون البداية - فماذا كانت النتيجة؟؟
في كل يوم يصدر بلاغ باسم هذه المنظمة أو تلك الجبهة.. وعلى جدران البيوت، وفي كل شارع من بيروت يقرأ المارة الشعارات اللاهبة باسم الجبهة الفلانية.. ولو تذكر المرء لتساءل بينه وبين نفسه عن تلك الجبهة او المنظمة أين كانت وماذا قدمت.. لهز رأسه حزنا وأسى.
والغريب أن كل منظمة من تلك المنظمات أو الجبهات - حين تتحدث عن بطولات وعن عمليات يعلم الله مدى صحتها - أو حين تصبغ جدران بيروت كما صبغت جدران عمان بالبويا فإنها تمهر ذلك (بتوقيعها الكريم - ولكن حين يجد الجد تعود فتتحدث عن ( المقاومة الفلسطينية) وتحتمي كل واحدة بذلك الثوب الفضفاض الذي يسمونه مقاومة.
ما المقصود من صبغ جدران بيروت بالشعارات - إفهام الناس ان (الجبهة الفلانية) تدين (الانظمة الرجعية) حسنا، ذلك لا يتطلب رفع الشعارات بل الممارسة الفعلية، فأين الممارسة مما يقال - هل المقصود استفزاز العناصر اللبنانية التي لا ترى رأي (المقاومة) مثلا.. اوتلك الفئات التي تتحفظ بشأن بعض المنظمات والجبهات الفدائية، وتشك في لونها السياسي والعقائدي.
قلناها أكثر من مرة أن إثبات الوجود لا يمكن بهذه الطريقة.. قلناها قبل أحداث ايلول الفائت في عمان.. ونقولها اليوم.. ونحن نرى ونحس هبوب الريح السموم في وجه (الثورة الفلسطينية) التي - ولسوء الحظ - تحولت الى فصائل ومنظمات وايديولوجيات وكواكب تدور في فك هذه الدولة العربية او تلك.
الشعارات المطلية بالبويا لا تعيد اعتبار الثورة في نفوس الجماهير الى ما كان عليه، ولا تحقق أي انتصار.. الشعارات لا تصنع ثورة، بل تكون مادة متفجرة ومدمرة - وأحداث عمان لما تغيب عن الأنظار بعد.
سؤال نتوجه به الى منظمة فتح - صاحبة المشاريع الوحدوية والتوحيدية.. والتي كانت دوما تتحمل ثقل الضربة.. ونتوجه به الى السيد ياسر عرفات.. القائد العام لقوات الثورة.. هل تظنون أن مثل هذه الأمور لا تستحق اهتمامكم ولا تستحق المعالجة - أنكم تنتظرون الضربة التي يعدها الأعداء، وقد استعذبتم أن تكونوا دوما الضحية أو الشهيد - اما قيادة قادرة واما.. منظمات كشافة.
عن الرأي العام |