Tuesday 15th June,200411583العددالثلاثاء 27 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

أين أنتم من (رفقاً بالقوارير)؟! أين أنتم من (رفقاً بالقوارير)؟!
فاطمة عبدالرحمن السويّح / الرياض

تحدثت الصحف مؤخراً في قضيتين هامتين هما (العنف ضد المرأة) و(هضم حقوق المرأة) وتناولتهما بكثير من الآراء والمقترحات، إلا ان هذين الموضوعين ينبغي إدراجهما ضمن نطاق أوسع هو (التمييز ضد المرأة) بجميع أشكاله، ولا يخفى على أحد انه ممارس بشكل واسع إن عالمياً أو محلياً، ولن أتحدث هنا عن التمييز الممارس ضد المرأة خارج بلادنا، فلا شك ان للقوانين الوضعية اليد الطولى في ذلك، إلا ان ما يحز في النفس ان يمارس هذا في مجتمع يحتكم بشرع الله الذي يحمي المرأة ويحفظ حقوقها، ويلاحظ ان الممارسات البشعة ضد المرأة تنبعث من بقايا جاهلية في نفوس الكثيرين، ومن عادات اجتماعية بالية ما أنزل الله بها من سلطان، ويبدأ ذلك من تواجدها في رحم أمها حيث امتعاض من حولها إن كشف الطبيب انها أنثى إلى جانب الإساءة التي قد تحصل للأم من قِبل الزوج وأهله وعدم الترحيب بالوافدة الجديدة مروراً بفترة العزاء التي تُقابل بها بدلاً من التهاني.. بل يحز في النفس أنك حين تسأل إحداهن عما أنجبت قريبتها فانها تجيب وعلائم الأسى بادية على محياها وبصوت خافت (بنت) وكأنهم يحققون قول الله تعالى في الذين كفروا {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ {58} يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}، بل إن إحدى الأُسر الشرق آسيوية المقيمة - كما عرفت من إحدى الطبيبات - كانت تقوم بتجويع بناتها حتى الموت، ويحضرن إلى المستشفى في الرمق الأخير، أما الذكور فيقوم الوالدان بتسمينهم وتدليلهم غاية الدلال، ولئن كان ذلك يحدث لخوف الوالدين مما سيدفعان مقابل تزويج البنات كما الأعراف الظالمة السائدة في تلك البلاد، فما الذي يدفع البعض إلى ذلك في بلادنا حيث تكفل لها الشريعة حقوقها عند الزواج؟ وفي قصة شهدها مستشفى الشميسي كان الأب يعتدي بالضرب المبرح على أطفاله فيما فرت الأم بجلدها طالبة الطلاق وبالطبع حرمها أطفالها - دون أي رادع - واستمر بضربه لهم ولزوجته الجديدة، وحين رأت المعلمة آثار الضرب المبرح على الطفلة ذات التسعة أعوام تم التحقيق في الموضوع من قِبل التوجيه ومن ثم وصل الأمر إلى السلطات التي قبضت بدورها على الأب، وبعد يوم واحد ذهبت إحدى المشرفات لتلمس حاجات العائلة فإذا بها تُفاجأ بالأب يفتح لها الباب، وكان رد السلطات انه لا يحق لهم سجنه أكثر إذ لا وجود لقانون يعاقبه على هذا الجرم، واستمر الحال على ما هو عليه، أُسر كثيرة تستمر على هذا المنوال دون ان تستطيع الأم حتى طلب الطلاق لأنها من ناحية ستقابل بالرفض أو أنها ستحرم من أبنائها ولنا ان نتخيّل كيف سينشؤون وماذا سيصبحون!، ويتبع ذلك العنف اللفظي بكافة أنواعه من تحقير وإهمال وتهديد بالطلاق أو الزواج بأخرى مما تسبب لكثيرات بالقلق والاكتئاب وحالات نفسية أخرى تعج بها المستشفيات، وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للمرأة المكتملة الأعضاء، فما بالك بالمرأة المعاقة جسدياً أو عقلياً، حيث كثيراً ما تُقابل بالرفض والعقاب النفسي والجسدي على أمر قدَّره الله عليها، حيث تصبح مواطنة من الدرجة الثالثة لا يكاد يلتفت إليها وليس لها إلا الانسحاب والانطواء على الذات، أو الرضا بما تمنح من حقوق شبه معدومة في ظل هذا التطرف في مجتمع ذي قطب واحد هو الرجل.
أيضا التمييز يشمل أولئك اللواتي يبقيهن الأب قسراً دون زواج ويجعلهن سخرة يعملن ويأخذ أجورهن غصباً وعدواناً، بل قد يمتد الأمر إلى تطليقهن من أزواجهن بسبب المال، وقد يسمح الأب لابنته بالزواج ليجعلها الزوج بدوره سخرة أيضا فيستولي على أجرها، ولئن كان أبوها سيحافظ عيها بعد ذلك، فهذا سيرميها وأطفالها بعد ان يتزوج بمالها الذي اغتصبه منها، حيث لا قانون يحميها، بل لو أرادت ان تشتكي ونعلم ان من تتعرض للعنف تصبح غالباً ذات شخصية مقهورة ضعيفة، ستفاجأ بأنها في المحكمة لن تجد إلا رجالاً لن يشعروا بمرارة ما تعانيه، فما من امرأة في المحكمة لتسمع شكواها، بل ان إحدى السيدات المسنات بعد ان هجرها زوجها هي وأطفالها لمدة 12 عاماً وتزوج بأخرى تاركاً إياهم يسدون رمقهم بما يجود به المحسنون، اضطرت ان ترفع عليه قضية نفقة واستدانت مبالغ كبيرة بالنسبة إليها لتركب سيارات الأجرة ذهاباً وإياباً إلى المحكمة، وبعد جلسات عديدة حكم لها بـ1800 ريال نفقة الأعوام الماضية.. فما الذي يمكن ان تقابل به المرأة هذا الحكم؟
ولو اتجهنا لميادين العمل فلن يكفي لرصد ما تعانيه المرأة مجلدات ولكن على عجالة نتساءل.. هل يُلزم المعلم مثلاً بشراء طاولته وكرسيه من ماله الخاص؟ وهل يُلزم بشراء نوعية معينة من دفاتر التحضير؟ بل هل يلزم بشراء الوسائل التعليمية بنفسه أيضاً؟ كل هذا وأكثر تفعله المعلمة، وفوق هذا تحصل الموظفة في جميع بلاد العالم على إجازة أمومة عامين كاملين في بعضها مدفوعة الأجر بالكامل (مثل دول أوروبا) بل ان الأب يحصل على إجازة عدة أيام كذلك للعناية بطفله، وفي بعض البلاد العربية يُقدم لها أجرها كاملاً عدة أشهر وبعضها نصف الأجر وبعضها على الأقل يكفل لها بقاء وظيفتها حتى تتم مهمتها الأساسية التي خلقها الله من أجلها وهي العناية بصغيرها وإرضاعه، أما لدينا فإن الأم الموظفة حكومياً تترك صغيرها وعمره شهران فقط في يد عاملة قد لا يكون لها ضمير وان رغبت بأخذ إجازة استثنائية فلن تُعطى أكثر من ستة أشهر، ولو قُدر لها ان تنجب ثانية قبل مضي 3 سنوات فلن يسمح لها النظام بإجازة استثنائية أخرى، بل ان النظام الذي قد يفيد المرأة في هذه الحالة وهو الدوام الجزئي لم تتم الموافقة عليه، بل نفى جميع المسؤولين وجود ساعة الرضاعة وكأن وجودها سُبة في حقهم.. وها نحن نسمع ان منع إجازة المرافق على وشك الصدور، فهل يستطيع إنسان ان يترك فلذة كبده عند ارتفاع حرارته في يد عاملة! مع العلم بان المستشفيات لا تنوِّم الطفل في هذه الحالة رغم ان الحرارة المرتفعة إن أُهملت قد تؤدي بالطفل إلى الإعاقة، فتبقى العناية بالطفل مهمة الأم وحدها.. أخيراً هل يبقى المعلمون على البند 105 أعواماً عديدة ثم لا تحتسب ضمن سنوات خدمتهم؟
إننا كمواطنات نهيب بالمسؤولين مراعاة طبيعة المرأة التي خصّها الله تعالى بها في التنظيمات والقوانين التي يضعونها لها {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى}، وضرورة مساواتها مع الرجال في الحقوق والواجبات التي جعل الله المرأة مساوية له فيها، فللإنسان حقوق وعليه واجبات رجلاً كان أو امرأة {أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}، وعليها ان تعرف حقوقها كما تتعلم واجباتها، وكل ذلك ينبغي ألا يخرج عن نطاق الشريعة، ونرفض تماما ما ينعق به الناعقون من انها لن تنال حريتها من الأفكار الجاهلية حتى تتحرر من دينها، فما وصلت إليه المرأة الغربية من إهانة واحتقار و(تسليع) وعرضها كمجرد بضاعة استهلاكية هو بالتأكيد ما ستحصل عليه من ظنت أن السير على خطى الجاهلية الحديثة هو ما سيوصلها للعزة التي تبتغيها (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن أردنا العزة بغيره أذلنا الله).. إلا أننا نلاحظ ان المرأة الملتزمة بحجابها كثيراً ما تجد المعاملة السيئة والاحتقار في المحال التجارية، بل وتتعرض الكثيرات لرفض توظيفهن في الوظائف الإدارية في المستشفيات بل وحتى بعض المدارس الخاصة على ضعف مميزات الوظائف لديها تتجنب توظيف من تكون ملتزمة بدينها وحجابها.
ومن هذا المنبر أود ان أشيد بالخطوة الرائعة في مجال حفظ الحقوق التي تمثّلت بتشكيل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وأطالبهم بضرورة ان ينبثق منها لجنة فرعية لمحاربة التمييز ضد المرأة ونصرة النساء المضطهدات وتكون صوت من لا صوت لها، على ان تتشكّل من نساء فقط محاميات وعالمات بالشريعة واخصائيات اجتماعيات درءاً للاختلاط وتشجيعاً لهؤلاء المقهورات على المطالبة بحقوقهن المسلوبة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved