تستيقط بغداد على أصوات الانفجارات، وكانت بالأمس أربعة في أقل من ساعة، وتغيب شمسها والدموع لا تزال تتدفق من المآقي المنهكة، فقد احترفت مجموعة لا يعرف من أين أتت زرع الموت في كل باحة وساحة، وأينما اجتمع أهل البلاد، وأينما التقت ثلة من عناصر شرطتها.
ومع اقتراب موعد الثلاثين من يونيو، وهو موعد انتهاء الاحتلال وتحويل قواته إلى قوة متعددة الجنسيات، تزداد هذه التفجيرات التي لا تزال الكثير منها تستهدف مراكز الشرطة العراقية والتجمعات المدنية، وهو أمر يشير إلى أن الذين يقفون وراء هذه التفجيرات غير معنيين بموعد الاستحقاق الكبير نهاية يونيو الجاري وإن حمل بعضا من بشارات الحكم الوطني.
تواتر هذه التفجيرات وأماكن وقوعها وضحاياها تجعل الذهن ينصرف تلقائياً إلى الدور الإسرائيلي الذي كثر الحديث عنه في الساحة العراقية، وكيف أن عناصر إسرائيلية قد طاب لها المقام في أرض الرافدين تحت المظلة الامريكية وهي ذات المظلة التي تمارس إسرائيل تحتها الفظائع ضد الفلسطينيين.
لقد أفصحت بعض من هذه التنظيمات الغامضة عن جوانب من ملامح هويتها لنرى بينها ملمحاً عراقياً، لكن ذلك ليس كل شيء لأن الزج بالهوية العراقية في التفجيرات أمر مهم طالما كان الهدف تمزيق الوحدة العراقية وتخريب النسيج الاجتماعي الذي صمد طوال عقود من خلال صيغة البيت العراقي الواحد الذي يضم كل ألوان الطيف الطائفي.
ومع اقتراب موعد الانتقال إلى الحكم الوطني ينبغي أن تهب القوى الفاعلة وذات الحضور الكامل على الساحة العراقية إلى الإفصاح صراحة عن رفض هذا الأسلوب الجبان الذي يلجأ إليه المفجّرون، مع تشجيع كل كيان سياسي يتردد عن الإفصاح عن نفسه إلى التقدم إلى الأمام والعمل في ضوء النهار حتى يمكن تحديد ملامح هؤلاء الذين يعملون في الظلام وكشفهم للملأ.
إن مستقبل العراق يعتمد في جانب كبير منه على لفظ مهددات وحدته، ومن الواضح أن التفجيرات الحالية همها الأول والأخير تفتيت الوحدة وإحباط مشاريع العافية السياسية والاستقرار، ولهذا فإن الأولويات تستوجب تجاوز المعضلات القائمة من خلال الإعلاء من شأن الوحدة وممارسة ذلك على أرض الواقع بالطريقة التي تلجم الآخرين وتجعلهم حذرين في الوقوف أمام تيّار الوحدة أو اعتراضه أو التأثير عليه بمثل هذه التفجيرات الإجرامية.
|