* الرياض - الجزيرة - تصوير - حميد الحربي - لندن:
اختتم معالي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ اليوم زيارة لبريطانيا استغرقت عدة أيام شارك خلالها في حفل افتتاح توسعة مركز لندن الإسلامي في العاصمة لندن، كما عقد مؤتمراً صحفياً في مقر سفارة خادم الحرمين الشريفين في لندن، شارك فيه ممثلو وسائل الإعلام العربية والبريطانية، وزار كذلك مكتب الدعوة في لندن التابع لوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، والتقى الدعاة التابعين للمكتب، كما التقى عدداً من رؤساء المراكز والهيئات الإسلامية في بريطانيا.
ففي حفل افتتاح توسعة المسجد ألقى معاليه كلمة أكد فيها أن رسالة المراكز الإسلامية والمساجد في الإسلام رسالة عظيمة يجب أن نمتثلها، وأن نجعلها دائماً هي القائدة لنا، فرسالة المسجد تتمثل في أنه مكان لعبادة الله وحده، وإقامة الصلوات، وللتأليف بين المسلمين، وإقامة التعليم الإسلامي، إضافة إلى كونه رابطة قوية لنشر روح الإسلام بين الأفراد والجماعات.
وشدَّد على أن المساجد والمراكز الإسلامية لا بد أن تكون مصدراً لتوحيد الناس بنبذ الخلافات، واجتماعهم على كلمة سواء؛ لأنهم أمة واحدة.. فيجب أن يكونوا إخوة متحابين، يقول الله جلت قدرته: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.
وأضاف معالي الشيخ صالح آل الشيخ قائلاً: إن هذه المراكز الإسلامية يجب أن ينظر إليها الناس على أنها مؤثرة في حياة الناس، وفي المجتمع الذي يعيشون فيه، فالمسلم بطبيعته إيجابي مؤثر فاعل للخير؛ لأن الله يأمره بذلك، قال تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وقال معاليه: إذا كانت رسالة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة هي جمع كلمة المسلمين، والتآخي بينهم، وإذابة الفروقات المصطنعة بينهم، سواء كانت مذهبية أم عرقية، واجتماعهم على كلمة واحدة.. فإننا نتطلع لأن يكون كل مسجد في العالم مثالاً لنبذ هذه الفروقات، واجتماع الناس على كلمة الله دون تفريق بينهم.
مشيراً إلى أن المسلم المتصل بالمساجد والمراكز الإسلامية، أو مَن يعمل من خلالها، يكون متأثراً بها سواء في عمله الإيجابي، أو في أقواله، أو توجهاته المختلفة، كما هو الحال في التعاون بين الجاليات الإسلامية في شرق لندن في خدمة الجالية المسلمة، وفي خدمة البلد الذي يعيشون فيه.
وأكد معالي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد أن رسالة المسجد رسالة محبة وسلام، وأنه لا مجال - بأي حال من الأحوال - أن تتحول رسالة المركز الإسلامية ورسالة المسجد إلى مصدر تطرف أو مصدر للإرهاب الذي يكون فيه اعتداء على الإنسان في نفسه أو ماله أو في مقدراته بغير وجه حق.
وأوضح معاليه: إن الأفكار الإرهابية المتطرفة بعيدة كل البعد عن رسالة القرآن الكريم، وعن رسالة المسجد؛ لأن الله - جل وعلا - يقول للمؤمنين ولأهل الكتاب: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ}.
ورأى معاليه أن وجود هذه المساجد والمراكز الإسلامية يعتبر عنصراً مهماً لمحاربة الإرهاب، ومحاربة الغلو والتطرف؛ لأن هذه المساجد تحكي رسالة الإسلام، وتنقل رسالة الإسلام، وهذا بعيد عن تلك الأفكار المتطرفة والإرهابية التي يدعو إليها المنحرفون.
وأعلن معالي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد تبرع المملكة العربية السعودية لمشروع مركز لندن الإسلامي بمبلغ مليون دولار أمريكي، وقال: نحن في المملكة العربية السعودية - في وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - يسرُّنا التعاون دائماً مع المسلمين في كل مكان وفق أنظمة البلاد والأنظمة والجمعيات المصرح لها.
أما في المؤتمر الذي عقده معاليه في مقر سفارة خادم الحرمين الشريفين في لندن، فقد أكد أن المملكة العربية السعودية حققت الكثير من النجاحات في مواجهة مشكلة الإرهاب، خاصة على الصعيد الأمني، مشدداً القول: إن كانت هذه مشكلة قائمة فإنها لم تتسبب في أزمة في المملكة ولله الحمد.
وقال معاليه: أما على المستوى السياسي، فهناك قوة سياسية لم تتأثر بهذه الأحداث، كما أن هناك تماسكاً ووحدة اجتماعية في مواجهة الإرهاب.. أما على المستوى الاقتصادي، فإن الاقتصاد السعودي لم يتأثر، بل ارتفع بمعدلاته، سواء على صعيد سوق الأسهم أو الأسواق الأخرى، مما يعني أن هذه الأحداث الإرهابية لم تؤثر على المملكة في مختلف المجالات.
وأعرب عن اعتقاده بأنه على الرغم من السرية والضخامة في التنظيم الذي تعتمده هذه الخلايا السرية المتطرفة في أكثر من بلد فإن استقراء الأحداث التي شهدتها المملكة طوال عام كامل يبين أن القضاء على هذه الفئة الضالة من السهل الميسور؛ لأنه قد تم القضاء على أكثر من نصفها.. مشيراً إلى أن التقدم الأمني كان كبيراً جداً؛ حيث تم قتل أو القبض على الكثير منهم، ومؤكداً في الوقت ذاته أن المملكة حريصة على أن تتخذ العمليات ضدهم الكثير من الدقة حتى لا يتضرر المواطنون أو المقيمون.
وعزا معالي وزير الشئون الإسلامية ظاهرة الإرهاب التي يعيشها العالم حالياً إلى سببين: أولهما عدم إحلال السلام والعدل في بعض القضايا العالقة في المنطقة، مثل القضية الفلسطينية. وهذا جزء مؤثر، وسبب في تغذية روح الكراهية إزاء الآخرين، وهو أمر يتعلق بالدول المعنية التي لا بد من جهودها لإحلال السلام، وإنهاء المشكلات.
والسبب الآخر في وجود التطرف والغلو يعود إلى سوء فهم النصوص الدينية عند البعض، وهذا الغلو نتج عنه الكثير من المظاهر السيئة التي أدت إلى الإرهاب.. لذا فإنه في لقاءاتنا ومناقشاتنا نحث دائماً على الإسلام القائم على الاعتدال والوسطية والانفتاح.
وشدَّد معاليه على أن الإسلام دين محبة وتآلف وتعاون، مستشهداً بالآية الكريمة: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، لتكريس التعاون مع الإنسان في سبيل مصلحة الإنسان، مع ما أكدت عليه رسالة الإسلام من أنها عبادة الله وحده، وقال: إن الإسلام حضارة تحمل الكثير من المفاهيم والنظريات لخدمة الإنسان وإعطائه الحياة الكريمة السعيدة.
وأوضح معاليه أن الدين الإسلامي يحث على التحاور مع الآخر، قائلاً: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما جاء برسالة الإسلام حدث أول اعتراف بالآخر، والقبول به، والتحاور معه.. وفي المدينة النبوية عندما اجتمع فيها النصارى واليهود مع النبي - صلوات الله وسلامه عليه - كان في ذلك إعلان عام بأن من مبادئ الإسلام القبول والحوار والتعايش مع الجميع، في حين رفضت الأديان الأخرى ذلك.
ورداً على سؤال حول الإصلاح في المملكة، خاصة في مجال التعليم، أكد معاليه أن المملكة مقتنعة بضرورة الإصلاح والتطوير على جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية، وهو الإصلاح الذي لا ننتظره من غرب أو شرق. وقال: إن الإصلاح موجود في المملكة منذ فترة طويلة، وقبل الأحداث التي جرت؛ حيث إن أنظمة الحكم التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين في بداية التسعينيات حددت مسألة الحكم ونظامه، والواجبات والحقوق، وهي جزء من الإصلاح السياسي.
ورفض معاليه ما ينسب للتعليم الديني في المملكة من اتهامات باطلة، وقال: إن هذا التعليم موجود منذ توحيد البلاد قبل سبعين عاماً، والذين درسوا المناهج التعليمية الدينية في مراحل التعليم العام هم السعوديون الذين ذهب بعضهم إلى بريطانيا وأمريكا وأوروبا للدراسة، وعادوا بتخصصات عديدة، وهم يتولون الإدارة في كافة المجالات الآن، وهؤلاء كلهم نتاج التعليم في المملكة، وخاصة الديني منه.
وأشار إلى أن الجماعات المتطرفة لا علاقة لها بالتعليم الديني في المملكة، بل هم نتاج ما حدث في أفغانستان عندما انتقلت إليها جماعات سياسية أثَّرت في بعض الشبان الذين انتقلوا إليها بتوجهاتها، وهؤلاء عددهم قليل، وبعضهم لم يكمل تعليمه الديني في المملكة.
وحول ما يسمى بالوهابية، قال معالي الشيخ صالح آل الشيخ: إننا في المملكة لا نعترف ولا نقر بمسمى الوهابية؛ لأنها تمثل السلفية، ونحن سلفيون نتبع الكتاب والسُّنة. وقال: إن المنهج السلفي يعني الاعتماد على الكتاب والسُّنة، وهو قابل للتطور والاجتهاد في أي زمان ومكان، والسلفية هي التي حاربت التقليد، ودعت إلى فتح أبواب الاجتهاد؛ لأن هدفها هو إصلاح وضع الناس بما يتفق مع الالتزام بالدين الحنيف.
أما خلال زيارته لمكتب الدعوة ولقائه بالدعاة، فقد أكد معاليه أهمية الدعوة إلى الله؛ لأنها لله وحده، لا ينبغي أن تشوبها شائبة نحو حزب أو دولة أو مذهب، بل دعوة خالصة لله جل وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وحث معاليه الدعاة على الإخلاص؛ لأنه أعظم زاد للداعية يحافظ به على ما يقوم به بعيداً عن الأمور الشخصية، ولأن إخلاصه سيرشح ويظهر على الناس، وقال: إن العبرة ليست في كثرة الكلام بقدر ما تكون العبرة بالصدق مع الله في القول والعمل؛ لأن الله تعالى يعطي العبد على قدر حسن عمله.
ورفض معاليه إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين، شارحاً ما يعنيه الإرهاب من عدوان وغيلة واعتداء وترويع المؤمن وإتلاف الأموال المعصومة، وهو منكر ومحرم شرعاً، مستشهداً بالآيات القرآنية الكريمة التي تحرم القتل والعدوان.
وخلال اجتماع معالي الوزير آل الشيخ مع رؤساء وممثلي الجاليات والجمعيات والمنظمات الإسلامية البريطانية قال: إن وجود الإسلام في أوروبا انتقل الآن من مرحلة وجود جالية إلى مرحلة المواطنة.. أي لم يعد المسلمون في أوروبا أقليات، بل أصبحوا الآن مواطنين لهم جنسيات هذه البلاد، وهذا يقتضي الكثير من تغيير الرؤى، والكثير من العمل، والكثير من وضع الآراء والأفكار لممارسة الحقوق الكاملة، وأخذ الحقوق الكاملة جراء هذا الوضع الكبير.
ودعا معاليه المواطنين المسلمين في أوروبا إلى وضع البرامج التي تناسبهم لتقوية الوجود الإسلامي ووجود المسلمين في أوروبا بصفتهم مواطنين في هذه الدول، مؤكداً أهمية العلم الكامل بحقوقهم والواجبات التي تجب عليهم تجاه هذه البلدان؛ لأن العلم بهذه الحقوق والواجبات يجعل المسلم في موقع الصدارة في تحمل المسئولية بما فيها مسئولية وجود الإسلام في هذه القارة من الأرض.
وأكد معاليه أهمية نقل الحضارة الإسلامية والمفاهيم الإسلامية الكبيرة في الكون والحياة في نظرة الإنسان للإنسان، وصلة الإنسان بربه، عبر المؤسسات المتاحة في هذه البلاد لمخاطبة المسلمين وغير المسلمين بمعنى الحضارة الإسلامية، وبمعنى الدين الإسلامي الحنيف.
ودعا معاليه إلى التكامل في العمل الإسلامي بين مختلف المؤسسات الإسلامية، وقال: إنه لا مجال اليوم للانفراد بالعمل، وإنما الواجب هو التكامل، فنحن لا نريد أن نفصل بين مؤسسة ومؤسسة، أو بين مركز ومركز، أو بين جمعية وجمعية، أي لا بد من التكامل في جميع أنواع المؤسسات، واستغلال جميع الطاقات الإسلامية لخدمة الهدف الإسلامي العام.
وشدَّد على أهمية التعاضد، وتنوع المعرفة والعلم والتخصصات بين أبناء المسلمين، وقال معاليه: إن القوة تكمن في تنسيق وتضافر الجهود بين المسلمين، كلٌّ في موضعه وتخصصه، وقد أمرنا الله - سبحانه وتعالى - بالتعاون فقال: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الجماعة رحمة، والفرقة عذاب).
وأكد معالي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في كلمته التي ارتجلها أمام ممثلي الجاليات والجمعيات والمنظمات الإسلامية البريطانية في مقر المركز الثقافي الإسلامي في لندن أهمية الحفاظ على الهوية الإسلامية في الغرب، خاصة بين الشباب والنشء الجديد، وقال: إن المسلم في الغرب هو الآن تحت مظلة وطنه، وعليه فإنه لا بد أن يكون هناك الكثير من الجهود المبذولة لتأمين الجالية الإسلامية في المستقبل، وهذا الأمن ليس المقصود به الأمن الجسدي، أو مفهوم الأمن العام، بل هو مفهوم الأمن الإسلامي أمن البقاء، وأمن الوجود، وأمن التميز، وأمن أن تكون هذه الجالية في الجيل الثالث والرابع والخامس محافظة فعلاً على الهوية الإسلامية والعزة الإسلامية، وانتمائها لهذا الدين القوي.
وأوضح معاليه أن هذا يتطلب الكثير من الجهود، ومن أهمها الجهود القانونية ومعرفة دقائق وتفاصيل القوانين في البلاد التي يعيشون فيها، ومن ثَمَّ معرفة الحقوق التي للمسلمين حتى يطالبوا بها.
وأكد معاليه أهمية التعايش السلمي للمسلمين في الغرب، ونبذ النعرات، والابتعاد عن الكراهية والحقد، وقال: إن العداء لا يخدم البقاء الإسلامي في الغرب، بل يخدم سن قوانين مضادة للمسلمين، وإضعاف الوجود الإسلامي.
كما دعا معاليه العلماء ورؤساء المراكز الإسلامية في الغرب لوضع برامج وقائية تحمي النشء الإسلامي الجديد من مغبة الوقوع في حبائل الأفكار الغلوية والإرهابية وغيرها.
وكان معالي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ قد استقبل في مقر إقامته في لندن الأمين العام للمجلس الإسلامي البريطاني إقبال سكراني، ومدير المؤسسة الإسلامية في ليستر الدكتور مناظر أحسن.
|