الحقيقة شمس
حوار مضبوط
رجاء العتيبي

عمر الحوار المنتج ما كان له ضوابط كالتي يضعها الإداري العتيق، كما لا نتوقع من أفكار مقننة تضعها لجنة إدارية أن يكون لها حضور جماهيري، وكذلك الأمر في انبثاق الحوار، فهو لا يخرج للوجود بخطاب رسمي برقم وتاريخ، أو يعد الحوار في فندق ويلقى بطريقة أكاديمية في بيئة لا تضم سوى المتحاورين.
الحوار الفعَّال لا تسوقه أوراق عمل كتبت عناوينها بطريقة (رسائل الماجستير التقليدية)، ولا يصبح كياناً فاعلاً ما دام أنه مرتبط بفترة زمنية محددة، ولا نظن الحوار حواراً وهو يدار بطريقة المحكمة: متحدث ومعلقون وصحافة تنشر ما يدور داخل أروقة المكان، وصور ملونة ورسومات أبيض وأسود لانفعالات المشاركين.
ثمة فرق كبير جداً جداً بين حوار تفرزه لجنة مكونة من عدد من الأشخاص وتقننه بضوابط وشروط وبين حوار يفرزه الحراك الاجتماعي والثقافي حسب ما تقتضيه اللحظة، وثمة فرق كبير أيضاً بين حوار يتم بين 100 شخص يجتمعون في مكان وزمان محددين سلفاً وبين حوار يتم بين آلاف المثقفين بمشاركة جميع شرائح المجتمع، في جميع الأزمة وجميع الأمكنة. لعل الحوار الوطني الثالث يكون ختاماً للشكل الحالي الذي نشأ به، في حين نتطلع في الحوار الوطني الرابع إلى شكل آخر يعطي الحوار (فرصة أكبر) و(رسمية أقل)، و(احتفالية بدون)، باعتبار الاحتفالية بالنتائج أهم من الاحتفالية بيوم افتتاح الحوار، وباعتبار الحوار الذي يعرفه الجميع لا يفتتح بشخصية رسمية ولا ينتهي بتوصيات، هذا من طبيعة عمل المؤتمرات والندوات.
وإنما يفتتح ب(قانون) مكتوب بخط واضح يكفل حرية الحوار للجميع ينبثق في أي مكان وأي زمان وبأي شكل وبأي طريقة بصورة لا تتجاوز حدود ال(قانون) الذي يضع ثلاثة ضوابط فقط هي: مراعاة حدود الله، مراعاة السياسة العليا للدولة، مراعاة كرامة الإنسان.
ويستمر الحوار بدون تاريخ إنتاج وتاريخ انتهاء صلاحية.