الوعكة الصحية الطارئة التي تعرض لها سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، حركت المشاعر بتداعيات اغترفتها من الذاكرة، فهذا الإنسان النبيل لطالما لامس بمشاعره وقلبه قبل يده معاناة المحتاجين والمكروبين والمرضى، وها هو اليوم يعتلي عرش قلوب هؤلاء، داعين وملحّين أن يمنّ الله عز وجل عليه بالصحة والعافية.
الصورة الأولى التي رسمتها من تداعيات ذاكرتي عن مكارم هذا الإنسان الرائد والظروف الصحية التي يعاني منها هي تذكر حملته الخيِّرة للرعاية الاجتماعية والتثقيف الصحي والتأهيلي التي أطلقها أمير الانسانية بعنايته وسقاها بماء دعمه ورعاها بتوجيهاته ومتابعته، ليكون بهذا العمل الجبار سبباً في تعميم الطيبات من زينة الله التي اخرج لعباده امتثالاً لقول الحق تبارك وتعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (32) سورة الأعراف. وهكذا تتواصل مسيرة الخير على مرّ الأوقات برعاية كريمة من أركان الأسرة المالكة الكريمة حفظهم الله وجزاهم عنا كل مثوبة وخير، ويقف على رأس هذه الكوكبة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله، السبّاق إلى المكرمات الذي كان حريصا على إصدار الأنظمة والتعليمات، ووجه بحكمته وسداد رؤيته المسؤولين، وتابع بنشاط همته وتصميمه كل المشروعات التي تعود بالخير على كل محتاج وكل مريض وكل فقير تنفيذا لتعاليم الدين الحنيف، ومسيرة على خطى سلفه الصالح، وإلى جانبه ولي العهد الأمين سيدي صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الذي لم يأل جهدا في متابعة مسيرة الخير والحضِّ عليها وبذل كل غال في سبيل رفاه الأمّة، وقد تنكَّب هذه المسؤولية العظيمة إلى جانبهما سيدي صاحب السمو الملكي الأمير الفارس سلطان بن عبدالعزيز رجل العطاء الذي نذر وقته وماله وجهده وما ملك من حكمة وسداد رأي في الإشراف والتوجيه، وفي متابعة كل أمر يعود بالخير على الوطن والمواطن.
حملة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للرعاية الاجتماعية والتثقيف الصحي والتأهيلي أعلنت منذ فترة انطلاقتها الدورية.. وهي بهذه الانطلاقة المباركة تتوج بالفخر عاماً مضى من العمل المتواصل والإنتاج الدائم، وتبدأ عاما آخر.. تحدوها الآمال لتحقيق الأكثر في سبيل رفع المعاناة عن مواطنين لهم الكرامة من أبناء المجتمع السعودي ومن أبناء الإسلام في كل مكان تثقيفاً وتأهيلاً وعلاجاً يساعدهم في دخول نسيج المجتمع افراداً عاملين لهم دورهم الهام ولهم مكانة المساواة، وهذا -لعمري- أرقى شعور إنساني يمكن أن يتحلّى به فرد أو أفراد أو هيئة حكم.
إن حملة الأمير سلطان للرعاية الاجتماعية والتثقيف الصحي والتأهيلي تمثل أكبر حملة توعية صحية، ليس على مستوى المملكة فقط، بل على مستوى المنطقة بكاملها، وهي بذلك تهدف -إضافة إلى تنفيذ المشروعات المدرجة في قائمة طموحاتها- إلى تحقيق مستوى معرفي للأمراض المستوطنة في المملكة وأحدث طرق الوقاية منها، من أجل تحقيق مستوى سلوكي للمواطن والمقيم ليقدِّما بالمعرفة والعلم المساعدة القصوى لمن يستحقها، من خلال ممارسة الطرق الصحية السليمة.
نعم.. إن حملة الأمير سلطان المباركة تنظر إلى مسألة التوعية كأساس في الوقاية من أمراض كثيرة منها الأمراض المستوطنة والوافدة والموسمية وأهمها أمراض الكبد الوبائي، والدرن، والنزلات المعوية والتسمم وأمراض القلب والسمنة وارتفاع الضغط وصحة الفم والأسنان وأمراض السكري، والصحة النفسية.. الخ، وهذا إلى جانب التوعية للوقاية من أمراض أشد خطرا، وقد أوشكت الدول المتحضرة أن تقضي عليها تماما كأمراض الملاريا والبلهارسيا بأنواعها المختلفة والحمى المالطية والأمراض الصدرية وأمراض الدم وجدري الماء والصرع.. الخ، ومهما حاولت الإحاطة بالإنجازات التي تمت، أو إضاءة المأمول من إنجازات في الانطلاقة الحالية فلن أستطيع، فالإنجازات كثيرة، والآمال كبيرة.
ولعلَّ مسألة الإعاقة والمعوقين تأخذ من ذوي الأمر الاهتمام الأكبر.. ولو نظرنا إلى إحصائيات العدد التقريبي من المعوقين في العالم العربي لوجدنا أنه يقارب 10 ملايين معوق، وحينئذ سندرك المغزى من اهتمام أمير الإنسانية سلطان الخير بأمر هذه الفئة.
إن الرعاية الاجتماعية بالمفهوم الشامل في المجالات الصحية والنفسية والتأهيلية تبقى الهاجس الأكبر للأفراد، وبذات القدر وربما أكثر للمسؤولين الشرفاء الساعين إلى صلاح وخير شعوبهم، الذين يعدون الأفراد هم نواة المجتمع وهم الفاعلون والمنتجون والحماة. ولأن سنة الابتلاء ماضية لتحقيق حكمة الله عز وجل فقد جاءت الشريعة لتحضَّ وتدعو من خلال الكتاب الكريم والسنة المطهرة إلى تحقيق التكافل الاجتماعي.
ويذكر الأستاذ الدكتور محمد بن حمود الطريقي رئيس مجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل، والمشرف العام على حملة سلطان الخير بقوله: (إن حملة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للرعاية الاجتماعية والتثقيف الصحي والتأهيلي قدمت نموذجاً تطبيقياً لكل اتفاقيات حقوق المعوقين، غير ما وفرته من خلال مجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل من آليات تطبيقية لتقدير احترام كرامة الأفراد ومساندة الجهود الرامية إلى تقديم العون والمساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة من عجزة ومسنين ومعوقين، وتوفير الدعم المادي والمعنوي والفني لكافة أشكال الرعاية الاجتماعية والرؤى العلمية والعملية التي قدمتها عبر الخطط والاستراتيجيات والبرامج الهادفة إلى التوعية والتثقيف والإعلام الموجه نحو قضايا الإعاقة، وتنفيذ المشاريع التنموية الهادفة الى صناعة مستقبل ذوي الإعاقات بإشراقة ناصعة، وتأمين مظلة اجتماعية إنسانية كبرى بالمفهوم الجغرافي للعالمين العربي والإسلامي، إضافة إلى العديد من المشاريع والمساهمات ذات الفاعلية في مجال ضمان حقوق المعوقين وتأمين أبسط سبل العيش الكريم لهم).
في هذه المساحة الواسعة من الامنيات التي بدأت تتحقق على أرض الواقع من خلال المؤسسات التي أقيمت والمراكز التي افتتحت والجوائز العينية والمعنوية التي شجعت، ومن خلال المؤتمرات التي ساهمت بالتثقيف وبتنظيم الاتفاقيات، وبناء ما يلزم خدمة لحاجات المعوقين، نجد أن كل هذا يسير بخطى ثابتة ومدروسة وواعية وبعلم مؤسسي طموح، يهدف إلى كمال بناء هذه الصروح التي هي أولاً وأخيرا تصبُّ في مصلحة المواطن، وناهيك عن الفروع التي ترفد مسيرة الخير، من بناء مراكز تأهيل ومشافٍ ومستوصفات، ودراسة وتأهيل دمج الأطفال المعوقين بالمدارس العامة، وصناعة الأطراف، وتحت كل عنوان عريض من هذه العناوين تتفرع عناوين أخرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر كي نستطيع تصوّر عظم المسؤولية وكريم العطاء.. من المفيد أن نذكر بأنه في مسألة الرعاية والخدمات الإنسانية أقيمت مدينة خدمات كاملة، وهي أكبر وأحدث مدينة في المنطقة، والعالم، هي مدينة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية..
مدينة حديثة البناء والمعدات والاختصاصيين، وعلى أعلى درجة من التأهيل، وتقدم اكثر الخدمات إلحاحاً وحاجة للمعوقين والمرضى، وتركز على تلبية الحاجات الاستثنائية لمختلف حالات العجز أو المرض. ويعجز القلم عن ذكر المهمات الإنسانية التي تقوم بها هذه المدينة، واهتمامها بكل فرد من الافراد، وبكل من يحتاج إلى رعاية من الأطفال (مركز تنمية الطفل) وحتى المسنين (الرعاية الصحية للمسنين).. وفي مسألة الرعاية الصحية العامة أو الحادة أو المتوسطة تم تأسيس مستشفى لإعادة التأهيل، ومركز استشفاء ونقاهة، ومركز عيادات خارجية، وعيادات للعيون ولقياس السمع ولغسيل الكلى وعيادات طب الأسنان وعيادة معالجة الآلام وإلى آخر قائمة العيادات التي تهتم بشؤون الصحة العامة، ومن البرامج الصحية والتأهيلية على سبيل المثال لا الحصر.. برنامج تأهيل مبتوري الأطراف، وتأهيل إصابات الحبل الشوكي، وتأهيل إصابات السكتة الدماغية، وبرنامج دولي لخدمات المرضى، إضافة إلى مركز تنمية الطفل.
لقد وضعت حملة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للرعاية الاجتماعية والتثقيف الصحي والتأهيلي في الأعوام السابقة نصب عينيها تحقيق أمور نفعية في مجالات متعددة، وحققت بفضل الله ما تصبو إليه، وتطمح عبر انطلاقتها الجديدة المتجددة إلى تحقيق المزيد، ووسط هذا الفيض من العطاءات لا يسعنا - ونحن نلقي بعض إضاءات - إلا أن نقف وقفة تقدير وعرفان لحكومتنا الرشيدة وعميدها مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -حفظه الله- وولي عهده الأمين صاحب السموّ الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وسموّ سيدي صاحب السموّ الملكي أمير الخير سلطان بن عبدالعزيز حفظهم الله، وإلى كل من سار بركبهم الكريم، ونسأل الله أن يمدهم بجنود من عنده وبالقوة على مواصلة السير خدمة لدين الله وتحقيقاً لخير هذه الأمة، {فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (64) سورة يوسف.
سيدي سلطان الإنسانية عد كما تشاء وردة متوجة بأكاليل الانتصار لتأخذنا إلى سماء المطر مما تشتاقه قلوبنا العطشى.. أمير الرحمة، وسحابة الخير التي تظلل كل صاحب حاجة، وإليك سلطان البهاء نبعث صادق مودتنا ممدودة نحو البرق داعين الله أن يمد في عمرك وأن يجزيك خير الجزاء حتى لا يحرم المحتاجين من ظلك الوارف ودوحاتك المورقة وعطائك الذي لا ينقطع.
الرياض فاكس: 014803452
|