في حفلات زفافنا يعلو صوت الفرح والسعادة بينما تبقى أصوات أخرى حبيسة الصدر لا نسمع أنينها تحركها الديون والأعباء التي اتخذ منها العريس جسراً موصلاً لهذه الاحتفالية المبهجة.
أعباء ما لها حدود يتكبدها الشاب وتدفع ضريبتها أيضاً العروس التي ستقاسمه قادم الأيام ومستقبل الحياة.
الغريب أننا جميعاً ندرك موضع الداء ولكننا نرفض ان نقترب منه بمشرط يداويه..
فهذا البذخ والاسراف لم نستهدف به الا رضا الحضور من المدعوين ولم يكن دافعنا له إلا مفاهيم مغلوطة ترسخت داخلنا بأن السعادة لا تكتمل إلا إذا احرقنا من أجلها ورقات النقد والريالات الغالية.
ولسنا ندري إلى متى نحمل أنفسنا في أفراحنا ما لا تحتمل بينما يأمرنا اسلامنا بالقصد وعدم التبذير وماذا سيعود على العريس من هذا الالتفات مدفوع الثمن ومن دقات الدفوف المغالى فيها التي اخذت منه حصاد العمر.
المعاناة من أجل دقات الطبول
زغاريد الفرح ودقات الطبول والاشهار الذي علمنا إياه الدين ليس مكلفاً ويمكن شراؤه بأقل الأسعار.
حتى الموائد الممتدة بطول المنازل وعرضها ليست أيضاً مكلفة، فما أرخصه الطعام وما أقربه إلينا ولكن يبدو المكلف حقاً هو ما ندفعه نحن لقاء أشياء بلا مردود وكأننا نرضى من وراء أموالنا تاريخاً قديماً رأينا فيه من سبقونا يقومون بهذا الدور ويجعلون من أموالهم المنثورة جسراً يوصلهم إلى السعادة.
وننسى أن الأزمان ليست كالأزمان ولكل عصر كما يقولون أحكامه فليس بالتبعية أن يكون العريس صورة من أبيه في الحلم والأمنية كما ليست بالضرورة أن تكون العروس نسخة مكررة من أمها.
فكما الأزمان تتغير أيضاً معها الأحلام لهذا تكمن آفاتنا في التقليد الأعمى وبعدنا عن قراءة المستقبل.
فماذا لو ظلت هذه الأموال المهدرة بأيدينا سنداً يقوي ساعد العروسين ويؤثث لهما عش الأيام القادمة ماذا لو منعنا ايدينا عن البذخ الموصل إلى تلال الديون بينما الهدف هو ارضاء البشر وهو هدف في منظورنا مستحيل.
لهذا أرى أن المسؤولية لا تقع على عاتق الشاب أو الفتاة قدر ما تقع على عاتق كبارنا الذين يدعون لحضور مثل هذه الحفلات الفارهة ولا يقدمون فيها النصح الأمين. يرون بعيونهم أموالاً يحرقها الصغار ولا يطفئون نيرانها بكلمة، هذا في منظوري بداية العلاج كلمة أمينة من رجل نحبه ونثق في منهجية نصائحه يقول لا للاسراف واجعلوا هذه الأموال في خزائن أيامكم المقبلة.
الحكاية كما ذكرت سلفاً لا تتعدى تقليداً والتقليد يمكن علاجه ومداواته ولأن أعيان المناطق بصورة عامة لهم في قلوب ابنائها مكانة ولكلماتهم صوت مسموع لذا أرى ألا يحرموا شباب مناطقهم من جلسات حوارية يقدمون فيها النصح مشفوعاً بالدلائل ويؤكدون أنه لا فرحة على جسر من ديون ولا سعادة والطريق مملوء بعتبات الهموم.
لا بأس أن يستاء شاب من النصح ما دام هناك كثيرون يستجيبون للصوت فلتكن بدايتنا مع الكبار وما اجملها البدايات مع صوت يحبنا ونحبه.
إذا كان الاعيان هم في نظري البداية فعلى أيدي علماء الدين والتربويين في مناطقنا تكتمل منظومة العلاج فهؤلاء هم الصوت الواعي الدارس للتبعات بل اراهم يحملون أيضاً مفردات الاقناع كاملة فتجاربهم ومرجعياتهم وعلومهم التي استقوها من الكتب ذات النفع حتماً ستكون لها المردود النافع على نفوس شبابنا.
فماذا لو اقيمت حلقات توعوية على فترات ولو متباعدة يلتف فيها شبابنا حول رجل تربوي أو عالم من علماء الدين يسألونه فيجيب بالمنطق والحجة الدامغة..
يسألونه عن السعادة فيقدم لهم (روشتة) لا تكلفهم عزيز المال وتناسب قدراتهم وامكاناتهم.
العلاج ليس في التصفيق ولو كان كذلك فلنصفق جميعاً ولكن الحل يبدو في حفلة زفاف بسيطة التكاليف تأخذ العروسين لعشهم الهانئ يدخلونه بلا أعباء تطرق أبوابهم مع تباشير الصباح ولا ديون تؤرق منامهم متى حل المساء.
أجمل مفردات العلاج هو أن نكتب بأيدينا رسالات الثناء إذا سار شبابنا على الخط السليم.. نعم فعلى مسؤوليتنا وقتما يرون حفلة زفاف جميلة ليس فيها بذخ ولا اسراف ولا يحركها وقود المغالاة والتبذير أن يخطوا بأيديهم رسالة ثناء وشكر لهذين العروسين اللذين كسرا حاجز التقليد الأعمى وانتهجا لأنفسهم الخط المناسب وسارا على الطريق الموصل للسعادة المكتملة.
هذه الرسالة التي يكتبها المسؤول مثمناً وسائل العروسين للفرح هي شهادة جديدة تؤكد أننا على اختلاف درجات ثرائنا نافع عن مبدأ واحد دعانا إليه الدين منذ قرون خلت وهو مبدأ الترشيد وعدم حرق الأموال فيما لا يفيد.
ما أجملها الكلمة حقاً إذا جاءت من مسؤولين مغلفة كما تغلف الهدايا لتكون وثيقة حق في حفلة زفاف تستحق.
آفة أخرى ننساها مع ضجيج الدفوف وصوت الأغاني اننا كلفنا أنفسنا كثيراً من أجل أناس لم يكلفوا هم أنفسهم أن يصلوا إلينا ويهنئونا.
أموال أنفقناها من أجل رضاهم ولم تكن في ذاكرتهم وهذا ليس عيباً في العريس الذي دعا بل في المدعو الذي لم يكلف نفسه كتابة رسالة جميلة أو يرسل بطاقة يعتذر فيها على عدم حضوره.
هذه الرسالة لن تكلفه كثيراً بينما ستحمل وقعاً مختلفاً داخل نفس العريس والعروس.. وسنجعلهم يعيدان ترتيب مصروفاتهم المحروقة من مائتين إلى مائة ومن مائة إلى خمسين وهكذا.
أشياء كثيرة تسقط منا في خضم الفرح والسعادة تحتاج حقاً إلى اعادة قراءة فلنقرأ أفراحنا وحفلاتنا من جديد بعيون متسعة الحدقات ولنداوي أخطاءنا فما أجمله الفرح البسيط والسعادة البسيطة، وما أجمله كما ذكرت سلفاً عش الزوجية بلا ديون.
|