أقبل الصيف بشمسه اللاَّّهبة، وهوائه الساخن، وأيامه الطوال، ولياليه القصار، أقبل الصيف بحرِّه وحروره، وكسله وفتوره، وفراغه الكبير، ووقته القصير.
أقبل الصَّيف بعد عناء عام كامل، عملاً ودراسة ومتابعة، وسعياً دؤوباً في مناكب الحياة، أقبل فأقبلت معه الرغبة في الراحة، والفسحة، والسفر والانتقال، وأقبلت معه الحفلات التي تنتظره بفارغ الصبر كلَّ عام، وبرامج الترويح الصيفية التي تنفلت من عقال الصمت والهدوء، لتعود إلى حركتها الصيفية التي لا تكاد تتوقف ليل نهار.
أقبل الصيف، والعيون تنظر الى آفاقٍ بعيدةٍ وقريبةٍ، وحقائب السفر تجهَّز لأسفارٍ طويلة أو قصيرة، وميزانيات قضاء الإجازة تُعدُّ بمبالغ مالية كبيرة أو صغيرة، وأفواه المنتجعات الصيفية في أنحاء العالم بدت فاغرةً تنتظر ما تلتهمه من أموال وأوقات المصطافين.
أقبل الصيف ضيفاً ملتهب المشاعر، مشبوب الإحساس، مغرماً بالزِّحام، متيَّماً بالسَّهر الطويل، شغوفاً بالجيوب الملأى بالأوراق المالية من كل جنسٍ ونوع.
أقبل الصيف، وعلى وجه شمسه سؤال كبير: إلى أين يذهب هؤلاء؟ ولماذا يستدبرونني بالسهر الطويل حينما أغيب، ويستقبلونني بالنوم الثقيل حينما أشرق؟ ولماذا يتحول جدُّهم إلى لهو، وعملهم إلى كسل، وهدوؤهم إلى صخب، وراحتهم إلى تعب؟
وكأني بشمس الصيف تغمض عينيها وهي ترى في أنحاء العالم مسارح وملاهي، وأوقاتاً تضيع، ومظاهر سيئة تشيع، وتسمع أصواتاً تختلط، تعبِّر عن فهمٍ معكوس لمعنى الإجازة عند كثير من المصطافين.
تغمض الشمس عينيها أسفاً، وورعاً، واستنكاراً وهي ترى شواطئ بحار وأنهار تغدو لوحةً بائسةً للاختلاط والانفلات، وقتل الإحساس بالفضيلة عند كثير ممن يرتادونها، وكأن الفضيلة لا تعرف إلا أماكن الجدِّ، ومراكز العلم، وبيوت المحافظين. كأني بالشمس الصيفية اللاَّهبة تكاد تَشْرقُ بشعاعها أسفاً وحسرة، وتكاد تنطوي على نفسها كمداً وألماً، لولا أنها تلتفت الى اليمين فترى بشراً يستمتعون بإجازتهم على طاعة ربهم، يروِّحون عن أنفسهم بالمباح المتاح وما أعظمه وأكثره، فتشعر بالسعادة الغامرة وتزيد سعادتها أضعافاً مضاعفة، حينما ترى ساحات البيت الحرام والمسجد النبوي تضيق بالمصطافين من كل مكان حيث يجدون الراحة والهدوء، ويسعدون بالطمأنينة والرِّضا، ويسرحون مع أهلهم في تلك الأجواء المعطَّرة بشذا السعادة الغامرة.
وكأني بالشمس تقول: شتان بين مشرّقٍ ومغرِّب، شتَّان بين مرح صاخب، وترويح هادئ جميل، شتان بين الذين يجرجرن أطفالهم ونساءهم في مطارات العالم الصاخبة، ومسارحه وملاهيه، وبين الذين يطوفون بهم حول الكعبة في البيت العتيق.
إشارة
إذا صدق الناس في سعيهم
فسوف يسيرون للأفضل |
|