Sunday 13th June,200411581العددالأحد 25 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "وَرّاق الجزيرة"

نسج الخمائل في أسباب هجرة القبائل نسج الخمائل في أسباب هجرة القبائل
(قطوف من الشعر الجاهلي وتراث العرب حول أسباب هجرة وارتحال القبائل)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.. فإن المتصفح لديوان العرب (الشعر) وبالذات الشعر الجاهلي يجد فيه إشارات واضحة لذكر بعض أسباب ودواعي الهجرة والارتحال الجماعي للقبائل العربية، ومثل ذلك أيضا كتب البلدانيّات فقد جمَعَت عدداً لا بأس به من أخبار تفرّق القبائل وهجرتها وارتحالها.
وسأبدأ بذكر بعض الأسباب مستفيداً من بعض المصادر، وأكثر مصدر اعتمدت عليه بحث للدكتور (فاروق أحمد إسليم) بعنوان (الانتماء في الشعر الجاهلي) وقد كان مفتاحاً لمصادر أخرى في الموضوع.
وأقول مبتدأ من هذه الأسباب التي ذكرت في الشعر الجاهلي:
أولاً: أن يُكره الخلاف داخل القبيلة أحد بطونها على الارتحال:
لقد كان النفي عن الديار أو الابتعاد عنها من الوسائل المتبعة لإطفاء نيران الخلاف داخل القبيلة الواحدة، ومما ذُكر في ذلك أن خلافاً دبَّ بين جعفر وبني أبي بكر العامريين، فشبت الحرب بينهما، فهُزم الجعافرة، ونزلوا على حكم كبير بني أبي بكر، الذي حكم بنفي بني جعفر عن بلادهم إلا أن يرتضوا بحكمه في مسألة دية القتلى، فارتحل بنو جعفر إلى اليمن وقد عبّر لبيد (وهو من بني جعفر) عن استنكاره لذلك في قوله:


أبني كلابٍ كيف تنفى جعفرٌ
وبنو ضبينة حاضروا الأجباب

فالشاعر هنا يستنكر نفي قومه، وإنزال بني ضبينة في منازل الجعفريين، وقد حققت عقوبة النفي الغاية إذ خضع الجعفريون لحكم قومهم في دية القتلى، ورجعوا إلى منازلهم بعد حول من ارتحالهم. (شرح ديوان لبيد المقدمة ص 11، والديوان ص 23، وص 278).
ثانياً: أن تلقى قبيلة أو فخذاً أو عشيرة عنتاً من ملك يدفعها إلى الارتحال:
وقد روي أن ملوك الحيرة كانوا يكرهون بعض الجماعات على الارتحال إذا غضبوا عليها، ومن ذلك أن المنذر بن ماء السماء خطب على رجل من اصحابه امرأة من بني زيد بن مالك بن حنظلة من بني تميم فأبوا أن يزوجوه، فنفاهم، فنزلوا مكة، وفيهم يقول الأسود بن يعفر:


ما بعد زيدٍ، في فتاةٍ فرّقوا
قتلاً، ونفياً، بعد حسن تآدي
فتخيّروا الأرض الفضاء لعزّهم
ويزيد رافدهم على الرفاد

لقد اختار بنو زيد التميميون أن ينزلوا الأض الفضاء فنزلوا مكة استبقاء لأنفسهم ولشرفهم. (أنظر شرح اختيارات المفضل 972،973-2).
ثالثاً: أن تعجز موارد المكان عن كفاية القبيلة او الفخذ أو العشيرة:
فعجز موارد المكان عن تلبية مستلزمات الحياة المادية لسكانه يدفعهم إلى البحث عن وسائل أخرى لاستمرار معيشتهم، ومن ذلك سكن بني حنيفة في اليمامة، فقد ارتادها عُبيد بن ثعلبة الحنفي، بأهله وغلمانه، فنزل فيها، ثم لحق به إخوته، وفي وذلك يقول عُبيد:


حللنا بدار كان فيها أنسها
فبادوا وخلّوا ذات شيدٍ حصونها
فصاروا قطيناً للفلاة بغربةٍ
رميماً، وصرنا في الديار قطينها
فسوف يليها بعدنا من يحلها
ويسكن عرضاً سهلها وحزونها

(أنظر معجم البلدان لياقوت: مادة حجر، معجم ما استعجم 1-83-85)
ومثل ذلك خبر نزول طيء أجأ وسلمى، وهو خبر مشهور ذكره ياقوت الحموي وغيره أن رجلين من طيء خرجا من اليمن، فارتادا أجأ فوقفا من الخصب والخير على ما أعجبهما، فرجعا إلى قومهما، فأخبراهم به، فارتحلت طيء بجملتها إلى الجبلين. (انظر معجم البلدان لياقوت: مادة أجا).
رابعاً: أن يضيق المكان بالقبيلة أو القبائل المتجاورة مع تكاثرهم:
وقد حوت مقدمة كتاب (معجم ما استعجم) طائفة من الأخبار والأشعار الدالة على الارتحال بسبب تضاؤل موارد المكان لتكاثر سكانه، ولا سيما المتعلقة بتفرّق ذريّة معد بن عدنان، وبعض تلك الأخبار نصّت على أن التكاثر كان سبباً في الارتحال، ومن ذلك أن ربيعة ومضر كانوا بتهامة وغورها (فكثروا وتضايقوا في منازلهم، فانتشرت ربيعة فيما يليهم من بلاد تهامة نجد) (معجم ما استعجم 79-1).
مع أن بعض تلك الأخبار والأشعار لم تنشر صراحة إلى أثر التكاثر في الارتحال، بل اشارت إلى أثر التكاثر في طغيان جماعة على أخرى طغياناً يؤدي إلى حرب تنتهي بجلاء المغلوب، ومن ذلك بغي إياد حين تكاثرت على مضر وربيعة، وكانت منازلهم وديارهم واحدة في تهامة، فتظاهرت مضر وربيعة على إياد، فهُزمت إياد، وخرجت من تهامة (انظر معجم ما استعجم 67-1-69).
خامساً: قد تحل بالمكان كارثة طبيعية، فيضطر سكانه إلى الارتحال عنه، ومن ذلك ما ذُكر حول خراب سد مأرب، وأنه كان سببا لرحيل قبائل الأزد، فاستقرت طائفة منهم بيثرب، وهم الأوس والخزرج، وأخرى بمكة، وهم خزاعة، وثالثة بعمان، وهم أزد عمان، ورابعة بالشام، وهم بنو جفنة (أنظر معجم البلدان: مأرب).
وفي تراث العرب الكثير الكثير من ذلك، اختصرت ذكرها لعلها تكون مفتاحاً لتحقيقات أكثر وأكبر، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved