رحل عن دنيانا نموذج متميزمن رجال الأمن في المملكة، تشكِّل شخصيته مزيجاً من الإخلاص والوفاء والتفاني والعطاء.. رحل - وليس له خيار في رحيله - {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}.. مات الرقيب أول (عبدالمحسن بن إبراهيم المحيسن) تاركاً وراءه السمعة الحسنة وعدداً كبيراً من شهادات التفوق والامتياز في الدورات الأمنية داخل المملكة وخارجها والأوسمة والأنواط، لقد جاب الدنيا طولاً وعرضاً متنقلاً بين سفارات خادم الحرمين الشريفين في الخارج، فكان مثالاً مشرفاً ونموذجاً يحتذى به في الانضباط والتعامل برجولة وشجاعة في المهمات الصعبة التي كان يُكلَّف بها حفاظاً على أمن بلده في الخارج لتبقى رمزاً شامخاً شموخ قيادات مملكتنا الحبيبة.. لقد تنقل صديقي الراحل عبدالمحسن المحيسن في مهماته الأمنية بين سفارات المملكة في واشنطن وبريطانيا والأردن ومصر وتونس.. واليمن.ولم يغادر بلداً منها إلا وحاز على شهادات الشكر والتقدير من السفراء والمسؤولين في السفارة والجهات السعودية التي لها وجود في تلك البلدان، كما نال رضا السعوديين المقيمين فيها، بل والمترددين على السفارة من الجنسيات الأخرى، بسبب دماثة خلقه وطيب نفسه، وتطبيق النظام على الجميع بشكل دبلوماسي يغبط عليه.. وبينما كان الفقيد - يرحمه الله - وهو في الرياض يتأهب للانتقال إلى محطة أخرى للعمل في سفارة المملكة في سلطنة عمان، إذا بالموت يختطفه في حادث سير بالرياض ليحول مسار رحلته من دار العطاء إلى دار البقاء، فكانت تلك محطته الأخيرة التي نسأل الله له كما وفقه في الدنيا - دار العطاء - أن يوفقه إلى الجنة (دار البقاء).. وكما حصل المحيسن على التقدير في حياته كان التقدير له بعد مماته من أرفع المستويات والقيادات في المملكة، إذ انهالت على أسرته برقيات التعازي من أصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب المعالي الوزراء وكبار المسؤولين، والقيادات الأمنية على مستوى المملكة وكافة زملائه ومحبيه، فكان ذلك بمثابة أول خطوة على طريق تكريم الفقيد عبدالمحسن بن إبراهيم المحيسن التي نرى أن تكون سيرته الذاتية لها مكان بين صفحات الصحف ونحن نتطلع إلى الخطوة التالية التي نرى أن تكون سيرته الذاتية لها مكانة بين صفحات المجلات السعودية المتخصصة لتكون نموذجاً يحتذى لباقي الشباب من رجال الأمن.. أما باقي خطوات التكريم فلا نحسبها تخفى على قيادتنا الأمنية التي تتميز في علاقتها مع أبنائها بالنواحي الإنسانية. وخصوصاً أن عائلة الفقيد لها بصمات مشرفة في التاريخ المعاصر للمملكة. فوالد الفقيد - رحمه الله - إبراهيم المحيسن كان أول من بدَّل الريال السعودي بمنطقة نجد وسحب الريال الفرنسي من الأسواق بعد توحيد المملكة، ودعا الناس إلى قبوله وشجعهم على ذلك بأن بادلهم الريال بالذهب؛ فقد اختاره الملك عبدالعزيز لتولي صرف وتبادل الريال العربي السعودي بالعملات الأخرى في منطقة نجد عام 1355هـ وله مواقف أخرى تثبت أنه من الرجال الأوفياء لقادة هذه المملكة، تحتفظ عائلته حتى الآن بما تلقاه من الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود من خطابات.
رحم الله فقيد الأمن.. والشباب.. والأصدقاء.. الحبيب عبدالمحسن بن إبراهيم المحيسن، وأسكنه فسيح جناته، وألهم والدته الصبر والسلوان وأعان أرملته على تربية أطفاله، وبارك فيهم، وشملهم سبحانه وتعالى بعنايته ورعايته.. وفي هذا المقام لا نملك إلا القول بما أمرنا به رب العالمين {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
|