ينبثق مبدأ (الحوار) من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي يحض على (المشاورة) بما تحمل في تضاعيفها من مضامين الحوار ومعطياته.. ولقد تبنت الدولة السعودية منذ نشأتها الأولى مفاهيم الحوار، حيث حرص الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - طيب الله ثراه - على (الحوار) فأتاح قنوات له كان منها مجلس الشورى، وكان منها انتهاج (سياسة الباب المفتوح) الذي أخذ به واستمر أبناؤه الملوك البررة من بعده في تبني هذا النهج. ولم يقتصر ذلك على الملوك وإنما ساهم أمراء المناطق في تفعيله لتلمس احتياجات الناس والوقوف على تطلعاتهم والتفاعل مع آمالهم وأتراحهم.
ومازلت أذكر في هذا الصدد سؤالاً طرح عليّ عندما ألقيت محاضرة في جامعة (ألاباما) الأمريكية العريقة متحدثاً عن النظام الإداري السعودي، حيث تحدثت عن منهج الباب المفتوح كقناة للحوار والتواصل بين القيادة والشعب، كان السؤال يتمحور حول مدى كفاية هذه القناة لا سيما مع ازدياد النمو السكاني في البلاد، فكانت إجابتي: بأن تطبيق هذا المفهوم لا يقتصر على الملوك ونائبيهم وإنما يشمل أمراء المناطق، وكذلك مسؤولي الدولة من الوزراء في مكاتبهم.
ولكن السؤال كان يستحث مسألة (الكفاية) في استشراف المستقبل في ظل معدل نمو سكاني يبلغ 3.7% ويعد من أعلى معدلات النمو السكاني على مستوى العالم.. في ذات الوقت الذي يرمق فيه مستجدات وتطورات وقضايا يرتقب حضورها مستقبلاً.
ففي ظل الحاجة إلى تمدد ساحة الحوار لتشمل المزيد من الشرائح السكانية والحاجة إلى المزيد من منابر الطرح لقضايا استجدت في ظل متغيرات عالمية ومحلية، وفي ظل التحديات والمخاطر التي باتت تواجهها البلاد تبلورت المبادرة الواعية الرائدة في فكر سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لفتح قناة جديدة للحوار، حيث تبنى سموه الملتقى الأول للحوار الوطني، وأمر بإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، واختير له رئيساً ونائباً وأميناً عاماً من الكفاءات الوطنية المعطاءة، وانطلق المركز يمارس دوره بخطوات راسخة ومتتابعة في توفير مناخ الحوار الهادف البناء الذي يجمع رجال العلم والفكر والثقافة الذين يحرصون على خدمة وطنهم ومجتمعم فيما يتعرض له من مشكلات وضغوط.. حيث يناقشون فيه قضايا الوطن من أجل تأصيل تمسك المملكة بدينها وثوابتها الشرعية وتوثيق عرى الوحدة الوطنية وتمتين أواصر العلاقات بين أفرادها وتوثيق صلتها بالعالم الإسلامي في إطار الوسطية والاعتدال.
** ولقد شهدت العاصمة الرياض ميلاد الحوار الوطني، حيث عقد لأول مرة في أحضان مكتبة الملك عبدالعزيز العامة خلال الفترة من 15- 18-4- 1424هـ.. وتناول ذلك اللقاء التاريخي قضية الخطاب الإسلامي الداخلي والخارجي، بما يؤكد تمسك السعودية بعقيدتها الإسلامية وصلاتها بعالمها الإسلامي ووحدتها الوطنية في إطار من الوسطية والاعتدال.
** واختيار المرأة موضوعاً للقاء الثالث إنما يجسد اهتمام الدولة والمجتمع بقضيتها ودورها، ويعكس تقديراً لها باعتبارها المرتكز الأساسي لبناء الاسرة الخلية الاساسية للمجتمع، وهي الاساس التربوي للأجيال شباب المستقبل عماد الوطن، فهي الأم وهي الزوجة وهي الابنة وهي الأخت.
ولا ريب أنَّ للمرأة السعودية حقوقاً كثيرة أقرها ديننا الإسلامي الحنيف، وهناك حاجة ملحة في ظل المتغيرات العالمية والمحلية لمناقشة دورها وواقعها ومستقبلها، وكذلك لتداول ما قد يكون من خلط بين تعاليم شريعتنا الغراء حول قضايا المرأة وبين ما تراكم من عادات وتقاليد عبر الزمن مما يمكن أن يتغير ويتطور مواكبة لاحتياجات ماسة دون الإخلال بالثوابت الشرعية.. فهناك حاجة إلى مناقشة قضية عمل المرأة السعودية لا سيما في ظل بلوغنا نسبة البطالة حدوداً عاليةً وخطيرةً، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أنَّ نسبة البطالة بين النساء في المملكة بلغت 27%.
في ذات الوقت الذي يتبدى شعور عام حول الحاجة إلى تطوير التناول القضائي لحقوق المرأة سائلاً المولى- عزَّ وجلّ- أن يكلل الجهود بما يخدم صالح البلاد والعباد.
www.dr-abdalelahsaaty.com |