يتوق المخلصون في عالمنا العربي إلى الانعتاق من أغلال التخلّف ويحاولون استشراف آفاق جديدة لغدٍ واعد، والتقليل من حجم السلبيات التي تعوق محاولة الانطلاق العربي لتجسيد الطموحات على أرض الواقع، غير أن شخصاً مثل العقيد القذافي يحاول أن يسبح ضد تيار الخير من خلال التمسّك بمؤامراته التي لا تنتهي، وها هو يتجرأ على بلاد مثل المملكة وعلى شخصية في مقام سمو ولي العهد.
المسؤولية العربية تستوجب تحجيم مثل هذه التوجهات الشاذة، طالما أن الجميع ينشدون الانعتاق من حالة السلبيات التي يعاني منها محيطنا العربي، حيث ثبت طوال عقود أن التراجع المتحقق على جميع الأصعدة في هذه المنطقة يعود بالدرجة الأولى إلى انشغال بعض القيادات بتدبير المؤامرات وإفشاء الخلافات والمشاكل في المنطقة.
إن إشغال الشعوب بمثل هذه المشاكل هو وسيلة لصرف أنظارها عن المهام الحقيقية للحكم والمتمثلة في توفير أسباب العيش الكريم لأبناء الوطن من خلال تدبير حاذق في التخطيط والاقتصاد وتطوير القوى البشرية وتنمية البلاد بشكل عام.
لكن الانصراف عن تلك الأهداف يجعل التخبط هو سمة الحكم الذي يفضل، حينئذ، إشغال مواطنيه بمغامرات دموية في الداخل والخارج والانتقام بطريقة فجّة من الخصوم، ولفت الأنظار من خلال ابتكار المواقف الشاذة يؤدي فقط للتقليل من شأن الأمة، وكلّها أمور ارتبطت بالحكم الليبي طوال أكثر من ثلاثة عقود من سيطرة القذافي على ليبيا.
ومن المهم جداً التأكيد على أن رفض هذه المسائل الانصرافية والتصرفات الشاذة أمر يسهم حقيقة في تخليص المحيط العربي من جزءٍ كبيرٍ من أسباب تخلفه، كما أن إدانة مثل هذه الأعمال بما في ذلك تلك التي تسعى إلى إشاعة عدم الاستقرار تعكس الجدية في النظر إلى الوطن العربي ككل لا يتجزأ، وان مواجهة هذه السلبيات، من خلال إدانتها بشكل جماعي، يدخل في باب احترام الذات العربية والحرص على إبعادها من مواطن الخلل، ولجم الذين يتحينون الفرص لمهاجمة أي بادرة تراجع في المنطقة العربية.
ويبقى من الضروري في كل الأحوال إظهار مواقف واضحة ضد أي محاولة ترمي إلى إفشاء السلبيات، ويتعين على الجامعة العربية أن تسعى إلى مخاطبة أمثال القذافي بأهمية الكف عمّا يقومون به من أعمال تشير فقط إلى تدنٍ مريع في مفهوم القيادة التي ينبغي أن تعكس عظمة كل شعب من شعوبنا العربية كما يفترض أن تمتثل لموجبات المبادئ العربية والإسلامية في الإخاء والتعاون والتعاضد بدلاً من تبني الأهواء الشخصية والشطحات الشاذة.
|