Sunday 13th June,200411581العددالأحد 25 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

استرعى انتباهي استرعى انتباهي
هل غفونا ثقافياً.. فيما مضى؟
د. عبدالله بن ناصر الحمود

في كثير من الحالات، تأتي الأفكار المهمة جدا من بواعث لم تكن تخطر على البال، وقد كنت قبل بضعة أيام قد اعتمدت على رنين جرس هاتفي ( الجوال) لينبهني من النوم لحضور موعد مهم، وفعلا - كما هي حال التقنية!!- ضرب الجرس في الموعد المحدد تماما، فأوقفت الرنين، ثم طالعت شاشة الهاتف، فإذا قد كتب فيها النص التالي:( الغفوة تعمل)، وضعت الهاتف بجواري واستسلمت - فعلا - (لغفوة قصيرة) لم تتجاوز الدقائق الخمس، بعدها ضرب الجرس مرة أخرى، فأوقفت الرنين، ثم نظرت في شاشة الهاتف، فوجدت العبارة نفسها :
( الغفوة تعمل)، لكنني هذه المرة حدثت نفسي بأن تكفيني غفوة واحدة وأن على أن أنهض لأداء واجباتي مهماتي، وقد بقي مصطلح (الغفوة) ذاك يلازمني، ولا يزال ينازعني بعض مركبات الزمان والمكان.
عندما (يغفو) الإنسان لبعض الوقت، فإن عجلة الزمان تكون على سجيتها: تدور، وتدور دون توقف، وفي رحلة الدوران تلك تحمل معها كل مخرجات الزمان من تفاعلات الإنسان والمكان، ليتغير العالم من حول الذين هم في
(غفوة) من أمرهم، حتى إذا ما تنبهوا من تلك الغفوة، وجدوا عددا من تلك المكونات التي كانت حولهم قبل (الغفوة)، لم تعد تتسق مع ما هم عليه بعدها، خمس دقائق من عمر الفرد، قد تجعله يدخل اجتماعاً ما متأخرا، لكن خمس سنوات من عمر المجتمعات البشرية، قد تحول دون دخول تلك المجتمعات - باقتدار - في تفاعلات عالمية كثيرة.
وقد حاولت استقراء واقعنا المجتمعي المحلي خلال العقود الماضية، فوجدت أننا ربما نكون قد غفونا قليلا من الدهر، فعندما بدأت عمليات التنمية الرائدة في المجتمع السعودي، ظهرت معها مؤسسات عملاقة للتنمية الاقتصادية، في مقدمتها صناديق التنمية العقارية، والصناعية، والزراعية، فانشغل آباؤنا وانشغلنا - كثيرا - بعدهم بما أفرزته تلك الصناديق من عطاءات قلبت موازين البنية التحتية للمجتمع، وسعى الناس تجهاها بكل ما يكفل الإفادة المثلى منها، حتى خرجت البيوت، والفلل، والقصور، والمصانع، والمساحات الزراعية التي حولت مناطق كثيرة من الصحاري والقفار الى دوائر خضراء جعلتها رشاشات الماء الجوفي لوحة إبداعية غير مسبوقة واليوم، ونحن موقنون بأننا قد حققنا كثيرا من مظاهر الاكتفاء التنموي في تلك المجالات، وأن العجلة التنموية لا تزال تسير، فرغنا لننظر من حولنا، لنفاجأ - ربما - المفاجأة الأكبر في تاريخ مجتمعنا، وهي أننا قد نكون خلال تلك السنوات، انشغلنا بالعقار، والبيوت، والمصانع، والمزارع، ومؤسسات التربية والتعليم النظامي، ومظاهر البنية التحتية الأخرى، عن جوانب مهمة في بناء النسيج الثقافي المجتمعي، فعلى الرغم من أن هذا المجال الحيوي المهم قد عمل وفق منطومة مؤسسية منذ عام 1395هـ، حيث نهضت الدولة في ذلك العام بتوفير الدعم والرعاية على المستويين المادي والمعنوي للمؤسسات الثقافية بشكل عام، وعلى الرغم من صدور خطة التنمية السادسة (1415-1420هـ ) التي اشتلمت على عدد من المحاور المهمة في مجال التنمية الثقافية في المجتمع، إلا أنه من الممكن القول بأن الموجود والمشاع من المنتجات أو المؤسسات الثقافية، هو- فقط - ما كان متسقا مع معطيات مؤسسات التربية والتعليم، مما لم يتح مجالاً للتنمية الثقافية الشاملة بالقدر الذي أتيح لغيرها من مظاهر التنمية في المجتمع، وحيث قد نتفق، كما قد نختلف حول واقعية تلك الغفوة: هل كانت أم أنها لم تكن؟ فمن المهم جدا أن تكون صحوتنا الثقافية اليوم أكثر من أي زمن مضى، وأعمق جرأة مما نستقرؤه من اتجاهات الزمن الحاضر.
مجتمعنا اليوم بحاجة كبيرة - كما يبدو - الى مزيد من المؤسسات الثقافية القادرة على دعم قدرة الناس على التعايش، والتفاعل، و(الإبداع) في مجالات الفكر، والفنون، والآداب وأنماط الحياة كافة، وفق منظومة مباحة متسقة مع ثوابتنا ومقدراتنا النبيلة، بحيث تثير تلك المؤسسات مكنونات الانفس البشرية وتدخلها في مظاهر التنافس المجتمعي البريء من أجل أن يكون منتجنا الثقافي منتجا منافسا على المستوى الدولي، مساحات المباح أمامنا كبيرة، لكننا قد نحتاج إلى أن نحذر أن تأخذنا غفوة جديدة، فلا نصحو إلا على قرع الأجراس من حولنا.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved