* أحسنت جامعة الإمام صنعاً؛ عندما أوقفت المراكز الصيفية؛ التي كانت تنظمها المعاهد العلمية التابعة لها صائفة كل عام. من المؤكد؛ أن الجامعة العريقة؛ قد أدركت قيمة الحكمة التي تقول: (الباب اللي يجيك منه الريح؛ سده واستريح)..! لقد أقفلت هذا الباب؛ فأراحت واستراحت.
* مدير الجامعة؛ الدكتور( محمد بن سعد السالم)؛ سئل عن هذا الإجراء البناء؛ فقال في تصريح نشرته الصحف صبيحة يوم الجمعة (9-4-1425هـ) ما نصه: (إن المراكز؛ ذهبت ضحية الإرهاب، حيث استغلت بعض مناشط المراكز الصيفية من قبل عدد قليل؛ تحدثوا بما ليس لهم به علم، الأمر الذي أدى إلى وقف هذه المراكز بشكلها السابق، واقتصرت على مركز في الجامعة؛ يتولى صقل المهارات؛ وتنظيم المسابقات، وتقديم بعض الدورات العلمية والتدريبية).
* شكراً لمعالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ الذي جاءت شهادته صريحة واضحة دامغة؛ ولو تقدمت هذه الشهادة عاماً كاملاً؛ لربما بنت في صف الطرح الذي تبنيته في مقالي الموسوم ب(تجاوزات كبيرة.. واجتهادات خطيرة)، المنشور في هذا المكان يوم الأحد (13 يوليو 2003م)؛ وتناولت فيه تحديداً؛ مسألة (المراكز الصيفية والمخيمات الدعوية)؛ وما يجري في (بعضها)، من تبني أفكار؛ أقل مايقال عنها؛ إنها إما متشددة ومتطرفة؛ أو مخالفة وشاذة، فتقدم للطلاب وصغار السن؛ على أنها مسلمات عبادية؛ توجب المزيد من التكريه والنبذ؛ والفرز الاجتماعي، والتصنيف الفردي؛ وقد يصل الأمر؛ إلى التكفير؛ الذي يقود بعض الصغار من قليلي الخبرة؛ إلى التفجير؛ مثلما مر بنا ورأينا.
* بعد نشر ذلك المقال؛ قامت الدنيا ولم تقعد؛ فقد توالت ردود المعارضين من داخل المراكز نفسها؛ أو من الإدارات المنظمة لها، وهي كذلك؛ قوبلت بردود ومداخلات أكثر منها عدداً وعدة؛ من أصحاب تجارب ونظر وخبرة؛ سردوا وقائع كثيرة؛ القليل منها يكفي؛ لإدراك خطر اختراق هذه المراكز؛ واستغلال تلك المخيمات؛ من قبل بعض المتشددين؛ وأصحاب النوايا السيئة، فشهادة (تكفيري تائب) على سبيل المثال؛ معروفة مشهورة منشورة، ومثلها شهادة مشرف سابق في مركز صيفي؛ إلى جانب شهادات أعضاء سابقين في هذه المراكز والمخيمات؛ كل ذلك يؤيد الكلام الذي قال به معالي مدير جامعة الإمام اليوم، ويعزز ما قلت به بالأمس، ولكن من مساوئنا الاجتماعية المستعصية على الحل في هذا الزمان؛ أننا لا نريد أن نقرأ أو نسمع، أو نرى على الإطلاق؛ إلا ما يعجبنا، وما يتجنب كشف عوارنا؛ ويغض الطرف؛ عن ذكر عيوبنا وسلبياتنا؛ وكأننا شعب مختار، خلق من طينة خاصة؛ لا تعرف النقص أو العيب في حياتها..؟!
* لقد كان معالي مدير جامعة الإمام؛ صادقاً مع نفسه، ومع وطنه ومجتمعه، فلم يدلس أو يكذب أو يجامل، ولو أخذنا بهذا الأسلوب الفذ في المكاشفة من زمن طويل؛ لما وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم؛ من مواجهة حقيقية مع الإرهاب، الذي يستهدف الوطن كله، فلا يستثني أحدا فيه، وبناءً على كلام معاليه أعلاه؛ ورداً على أولئك الذين انبروا في العام الفارط؛ من داخل وزارة التربية والتعليم؛ ومن داخل مئات المراكز التي نظموها (تطوعاً)؛ وهم يدفعون عنها (كلها) دون استثناء؛ تهمة الاختراق والتسييس؛ انطلاقاً من المناظرات والمحاضرات؛ والمناقشات والتدريبات الميدانية؛ (نهارية كانت أو ليلية)..! أقول: ما الفرق بين مركز صيفي كانت تنظمه المعاهد العلمية؛ وآخر تنظمه جهة تطوعية تحت مظلة وزارة التربية والتعليم..؟! أو مخيم دعوي ترعاه جمعية ما؛ وآخر يستظل بمظلة برنامج سياحي أو تربوي..؟! فبعد شهادة المسئول الأول عن مراكز المعاهد العلمية؛ هل يأتي اليوم من يتجرأ فيقول بتنزيه غيرها من المراكز؛ التي يسعى متطوعون إلى تنظميها؛ تحت مظلات إدارات التعليم في المناطق..؟!
* إنه لأمر محير من جوانب عدة.. فمن جهة؛ كيف تقرر وزارة التربية والتعليم؛ إقامة مركز صيفي واحد في كل منطقة تعليمية؛ ثم تتصرف إدارات التعليم بمعزل عن مرجعها؛ فتقيم عشرات المراكز من عندها؛ بدون إذن أو موافقة..؟! ومن يدعم هذه المراكز مالياً..؟! هذا أولا..؟ ثم ثانياً: ما سر التهافت عليها من (بعض) منسوبي إدارات التعليم والجمعيات؛ بمقابل أو بدون مقابل..؟!
* في العام المنصرم؛ أقيم في محافظات كثيرة؛ عدد كبير من هذه المراكز؛ فشمل بعضها؛ القرى الصغيرة، حتى أني شاهدت حافلة تحمل (يافطة)؛ تشير إلى مركز صيفي في مركز قروي صغير في (قيا) من محافظة الطائف؛ جاءت بطلاب صغار لزيارة الشفا؛ والتخييم فيه..! وفي بعض المحافظات الصغيرة جداً؛ أقيمت ستة مراكز؛ منها خمسة خارج برمجة الوزارة.. والحبل على الجرار في بقية المناطق.
* أعتقد أنه من المفيد اليوم؛ إعادة النظر في كل تجمع مهما كان شكله؛ ينظم أو يقام بدون ترخيص رسمي؛ وبعيد عن أعين الرقابة، ومن المفيد جداً؛ اعتبار التعليم العام؛ عتبة أولى؛ تؤسس للإصلاح بكافة جوانبه (ثقافي - اجتماعي - اقتصادي)؛ وغيرها ولهذا.. فإن طاقات الشباب والطلبة في الصيف؛ يجب ألا تترك في متناول أعداء هذا الوطن؛ يحركونها كيفما أرادوا؛ تحت مظلة مؤسسات رسمية أو أهلية أو خيرية أو غيرها. وحري بنا في هذه الظروف، أن نجعل (المراكز الصيفية والمخيمات الدعوية)- إذا كنا نرغب في بقائها - تحت إشراف تام؛ من مؤسسات أمنية وعسكرية؛ مثل الأمن العام؛ والحرس الوطني والدفاع؛ بحيث تعطى لشبابنا جرعات تربوية وطنية كافية؛ وتدريبات في الانضباط واحترام الأنظمة والأسرة والمجتمع؛ فهذا خير لنا من شباب؛ يعطي ولاءه لأفراد ورموز يعملون لذواتهم؛ ويعيش حالة انفصام وطني واجتماعي في سن مبكرة.
* إذا كنا نصر على تنظيم مثل هذه المراكز والمخيمات الدعوية؛ في بلاد هي منبع الدين ومهد الرسالة؛ فلماذا لا نجعل الشأن الوطني العام؛ هو محور المناشط، ومقصد البرامج، ومدار كل حديث أو مناظرة ومحاضرة ومناقشة فيها..؟!
* كتب الزميل الدكتور (سعود المصيبيح) في جريدة المدينة يوم الاثنين الفارط؛ حول هذا الموضوع بالذات، وأراني أتفق مع ما قال به في مقاله هذا؛ حيث نادى؛ بتسخير كامل لبرامج المراكز؛ وجعلها تصب في بنائية وطنية ضد التشدد والتطرف، وفي مواجهة الأعمال الإرهابية، والتنديد بالقتلة والمجرمين، والتذكير بدور المؤسس (الملك عبدالعزيز)- رحمه الله- في توحيد هذه البلاد؛ وإرساء قواعد الأمن النفسي والجسدي والغذائي لكافة أطرافها؛ بعد خوف وجوع وعري، يعرفه كثير ممن هم على قيد الحياة اليوم.
* لماذا لانجعل من هذه المراكز؛ معسكرات صيفية؛ تديرها أجهزة (الأمن والحرس الوطني والدفاع)؛ تبدأ بصلاة الفجر؛ ثم رفع العلم الوطني؛ فالنشيد الوطني؛ ثم مناشط علمية وثقافية ورياضية وفنية شاملة..؟!
* إن الظرف الذي تمر به بلادنا؛ لا يسمح بمزيد من الفرص المهداة؛ لتلك الشرائط المفخخة، والكتيبات المؤدلجة، والنشرات المنفردة.. لقد حان الوقت؛ لخلق معادلة متوازنة؛ تضع الأمور في نصابها؛ فتحصحص الحق؛ وتزهق الباطل؛ إن الباطل كان زهوقاً.
fax:02 73 61 553
|