فقدت مصر يوم الأربعاء الماضي أبرز أثر فني في حياتها عندما احترقت دار الأوبرا في القاهرة التي كانت قد دشنت في أول تشرين الثاني قبل مائة سنة وسنتين وقد استمر الحريق الغامض عدة ساعات وأتى على معظم البناء والتحف الأثرية التي كانت معروضة بداخلها الأمر الذي دعا محافظ القاهرة إلى إصدار قرار بأن يهدم فوراً مبنى الأوبرا على أن يزال في ظرف يومين.
وعلم أنه من بين التحف الخاصة التي أتى عليها حريق دار الأوبرا المناظر الخلفية التي رسمها منذ خمسين عاماً كبار الفنانين الإيطاليين وليس لها نظير في العالم.
ومن بين الخسائر أيضاً بعض النوت الموسيقية الفريدة التي لا يوجد لها مثيل والتي تؤجر لدور الأوبرا العالمية عن طريق الناشرين الموسيقيين ولا يوجد إلا نسخة واحدة من هذه النوت.
واحترقت أيضاً ملابس تاريخية لأوبرا عايدة وعطيل ولاترافيتا وملابس خاصة بالملوك والسلاطين والمحاربين القدماء من كل العصور والآلات الموسيقية الخارجية الخاصة بأوركسترا القاهرة السيمفوني.
وساعدت القطط المحترقة التي كانت تموء في فزع وجنون على انتشار ألسنة النيران في كل مكان.
وقد ذكر أحد الخبراء أن القطط التي تعيش في المبنى الذي تغشاه الفئران قد أمسكت بها النيران عندما نشب الحريق. وقد نشرت القطط التي كانت تقفز في فزع وجنون النيران معها في كل جزء من أجزاء مبنى دار الأوبرا الذي يدخل الخشب في بنيانه.
ومن الجدير بالذكر أن الخديوي إسماعيل هو الذي أمر بإقامة دار الأوبرا عام 1869م لتكون مستعدة لاستقبال ضيوفه الكبار الذين دعاهم لحضور احتفالات افتتاح قناة السويس من بين الملوك والأمراء والمشاهير في جميع أنحاء العالم في ذلك الحين، وفي مقدمتهم الإمبراطورة أوجيني إمبراطورة فرنسا (قرينة الإمبراطور نابليون الثالث).
ومن أهم الأعمال التي قدمت في هذه الدار أوبرا عايدة لفردي التي قدمت بها لأول مرة في العالم بعد عامين من افتتاحها (1871). كما شهدت الدار أعظم الفرق العربية والعالمية.
ومن غريب المصادفات أن هناك كتاباً صدر في القاهرة منذ شهرين فقط للصحفي والأثري المصري الأستاذ كمال الملاخ ورد فيه ما يلي حرفياً:
(وظلت دار أوبرا القاهرة التي أقيمت في نحو ستة أشهر فقط موضع اهتمام حتى لا يصيبها حريق، إذ إن بنيانها من خشب وجريد وجذوع نخيل وأعمدة من حديد.. فأي عقب سيجارة يهددها بحريق فهي أشبه بديكور.. ولهذا عندما رأت القاهرة أيام زمان أن تقيم مركزاً للمطافئ اختارت مكانه خلف دار الأوبرا مباشرة حتى يسرع بإخماد أي حريق يلحق بها.. وكان مبرر وضع المطافئ هناك أنها في قلب القاهرة تطل على ميدان العتبة الخضراء الذي لا يفرقه عن ميدان الأوبرا إلا مائة خطوة وبينهما دار الأوبرا التي يعجز بناؤها الخشبي الحديدي المتهالك عن تحمل اهتزازات أي أجهزة لتكييف الهواء).
|