ظاهرةٌ تنتشر بين الناس بصورة تلفت الانتباه وتستحق الاهتمام، إنها ظاهرة (التضايق من النصيحة)، والتبرُّم من التوجيه، حتى مع استخدام أرقِّ الأساليب وأكثرها هدوءاً وحكمة. ويمكن أن نقول: إنها ظاهرة التضايق من (الموعظة الحسنة)؛ حيث نرى معظم الناس الآن صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، يواجهون النصيحة بوجوه متجهمة، ورفضٍ صريح لها، واستثقالٍ لصاحبها.
لماذا تنتشر هذه الظاهرة؟
هنالك تفسيرات كثيرة، وأسباب متعددة يمكن أن يُشار إليها لعل هذه الظاهرة تجد من حسن المعالجة ما يقضي عليها أو يخفِّف منها؛ حتى لا يستمرئ الناس الخطأ، وحتى لا يظن المتجاوزون حدود الشرع أنَّ الأمور قد تفلَّتت وخرجت على ضوابطها، فما عاد هناك مكان لتوجيهِ موجِّهٍ، أو نصحِ ناصحٍ.
من أسباب ظاهرة التضايق من النصيحة انفتاح العالم على بعضه البعض بصورة لم يسبق لها مثيل، فأصبح الخطأ والشر والمعصية والانحراف منتشرةً بين الناس، يرونها رأي العين عبر شاشات (الإنترنت) والقنوات الفضائية والمجلات المروِّجة لها. وهذا الانفتاح أحدث هزَّة كبيرةً في النفوس، وأوجد اضطراباً في المواقف، وشحن عقول الشباب بالجنوح عن الخير، وقلوبهم بالميل إلى مظاهر اللهو والخطأ التي يرونها أمامهم مباحةً متاحةً دون ضابط شرعي، أو انضباط خلقي.
ومن أسباب الظاهرة التنوُّع المُرْبِك في مصادر الفتوى، والتعدُّد المتناقض في آراء المتصدِّين لها من العلماء والمفكرين والمثقفين، حتى أصبحت تلك الفتاوى سبباً واضحاً في اضطراب النفوس، وبلبلة الأفكار، وحيرة الناس الذين لا يدركون معنى اختلاف الرأي، ولا يعرفون سبباً واضحاً لتناقض الفتاوى بين البلاد الإسلامية، فما يقال -أحياناً- في مصر يناقض ما يقال في الشام، أو السعودية، أو اليمن، أو المغرب العربي. وهذا التناقض يصيب الناس بالاضطراب، ويدفعهم إلى عدم الثقة في العلماء، وهو يتعدَّى ذلك إلى تضايقهم من كل نصيحة أو توجيه ما دام له علاقة بالعلماء والمفكِّرين الذين يطلقون الفتاوى المتناقضة والآراء المتعارضة.
ومن أسباب ظاهرة التضايق من النصيحة استمراء الخطأ، والتعوُّد على المعصية؛ لكثرة ما يراها الإنسان ويمارسها في حياته، مع ضعفٍ واضحٍ في التوجيه التربوي الأسري الصحيح، وتفريطٍ واضحٍ من أولياء الأمور في متابعة أولادهم بحكمة وبصيرة، دون قسوة مُنفِّرة, أو تسلُّطٍ عنيفٍ يصدم نفوسهم، ويدفعهم إلى التمرُّد على أهلهم.
ومن أسباب الظاهرة عدم انضباط الأسرة أصلاً؛ حيث يفقد الجيل القدوة الحسنة داخل بيته، فينشأ مستثقلاً للعمل الصالح، متبرماً من النصيحة والتوجيه. وهذا السبب خطير جداً على حاضر الأمة ومستقبلها؛ لأن الجيل المتمرد على القيم، المتفلِّت من تعاليم الدين، لا يمكن أن يكوِّن مجتمعاً صالحاً، ولا وطناً مستقراً.
ومن الأسباب أيضاً جنوح النفس البشرية إلى الهوى، وميلها إلى تحقيق رغبات النفس؛ مما يجعل النصيحة ثقيلةً عليها، والتوجيه مرفوضاً لديها.
إنَّ ظاهرة التضايق من النصيحة مرضٌ لا بد من علاجه؛ لأن آثاره سيئة وعقابه عند الله واضح، فهو الذي قال عن بني إسرائيل: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ}.
إشارة
الاسْتِجَابَةُ لِلنَّصِيحَةِ سَجِيَّةٌ لِلنُّفُوسِ الصَّحِيحَةِ
|