عندما صافح جورج بوش الرئيس الفرنسي قبل عدة أيام، تحدثت الصحف في البلدين عن (التاريخ الذي يعيد نفسه). ربما الصحف الأمريكية كالعادة تعتبر الفرنسيين قروداً مميزة، لأنهم يصممون على تحدي القوة العظمى، من مكاتبهم المريحة! لكن تلك المصافحة كانت جزءاً ثقيلا من سيناريو (المذكرات التاريخية) التي أراد (جورج بوش) حملها إلى الرئيس الفرنسي على شكل وعود غامضة، قد تتحقق بعضها في القارة الإفريقية نفسها.
لأن الدول التي تقوم على مبدأ الاحتلال لا يمكنها أن تتعايش خارج وعود الاحتلال. جورج بوش في مأزق حقيقي، لأنه يخسر في العراق، ولأن المقاومة العراقية أثبتت له أن (دمقرطة) دولة من دون حماية كرامتها أو شرفها يعني القتل المتعمد، وما فعلته أمريكا أنها احتلت العراق وعاثت فيه فسادا ناقلة إليه (جرثومة) الديمقراطية المحمولة على أكثر من مدرعة وعلى شكل الآلاف من (قوات التحالف) التي هي في النهاية (قوة الاحتلال) باسم الديمقراطية! اللعبة مكشوفة اليوم، لأن الصراع في الأراضي المحتلة صار أكثر دموية، وهو مرشح بالانفجار الشديد، وفق كل الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني باسم (حماية الديمقراطية الإسرائيلية المتمثلة في أمنها!).. فما الذي لم يرتكبه جورج دابليو بوش في العالم؟ تبدو كل الفظائع مرتكبة، والحال أن العودة إلى النقطة الصفر مع الفرنسيين صعبة، وصعبة جداً، ليس لأن القواسم المشتركة بين الولايات الأمريكية وفرنسا مفقودة، بل لأن تيار الحرب المطلقة التي ركبه البيت الأبيض يبدو في حالة من الدوران الجنوني نحو الهاوية، ولأن فرنسا خسرت كثيراً بوقوفها ضد أمريكا، فانها ستخسر اليوم ايضاً لو وقفت إلى جانبها، ليس بموجب مواقف سياسية فقط، بل بموجب مواقع استراتيجية أيضاً، وهو الشيء الذي أراد جورج بوش أن يهدد به الرئيس الفرنسي في مصافحته الأخيرة وغير الحارة، ربما لأنه في الخارج كان الآلاف من الشباب الفرنسي يلقون بالحجارة غاضبين ورافضين تأييد (مبدأ الحرب مقابل السلام) الذي يدافع عنه بوش بنفس أسلوب (الأرض مقابل السلام) الذي يسعى إليه اليهود داخل الأرض المحتلة. نتساءل الآن بحزن حقيقي: هل بقي شيء اسمه سلام؟ قطعاً انتهى كل شيء وصارت الأرض مفتوحة للدمار الشامل برئاسة قوى الشر الكثيرة التي تسعى إلى إحراق الأرض لأجل أن تربح (مزرعة ترعى فيها أبقارها الكثيرة!).
افتتاحية (لومانيتي) الفرنسية |