هيئة الصحافيين السعوديين خطت خطوة كبيرة ومهمة في الأسبوع الماضي بانتخاب أول مجلس إدارة للهيئة. وتم في هذا المجلس اختيار نخبة متميزة فكراً ومهنة وسلوكاً.. وتمثل هذه النقلة مرحلة جديدة في تاريخ الصحافة السعودية؛ لكونها أول هيئة -أو إذا شئت سمِّها نقابة- في تاريخ صحافتنا الوطنية. وقد كنا في الأشهر الماضية نتابع بعض الأمور المنشورة والمبثوثة فضائياً عن بعض اللبس واللغط في مسألة الهيئة، وقد لاحظنا كثيراً من التردد وعدم الإقدام في اتجاه العمل الانتخابي للهيئة.. ولكن في هذا اليوم، وبعد اختيار الأستاذ تركي السديري رئيساً للهيئة والأستاذ خالد المالك نائباً لرئيس الهيئة، نرى أن كل ما حدث في الماضي يمثل صفحة طويناها جميعاً، وهي في عداد التاريخ الذي لا يعود والماضي الذي انتهى.. ونحن اليوم أمام مرحلة جديدة ومستقبل واعد أن تحمل لنا الهيئة الكثير من الهموم الصحافية التي تضع لها الحلول والنهايات المناسبة.. وربما لدى زملاء المهنة هموم أخرى، ولكن ما أراه أن الهيئة هي في واجهة وتحدٍ كبير منذ اليوم الأول لتأسيسها.. ويمكنني أن أشير هنا إلى أن الهيئة ينبغي أن تعمل من خلال رؤية استراتيجية نحو المستقبل.. وهذه بعض القضايا التي نرى أهميتها في أجندة الهيئة:
1- ينبغي أن تعمل الهيئة على تطوير الأداء المهني الصحافي بكل إمكانياتها؛ حيث إن أهم المشاكل التي نواجهها في صحافتنا هو الضعف في مستوى المهنية الصحافية.. ولا شك أن صحافتنا تمتلك عناصر مهنية عالية المستوى، ولكن هذه العناصر قليلة جداً.. وإذا نظر رئيس التحرير في أي مطبوعة يومية يميناً أو شمالاً ليجد عناصر يعتد بها مهنياً لا يجد إلا عناصر قليلة وكفاءات محدودة العدد.. أما إذا وسع دائرة النظر فسيجد عناصر أكثر، ولكن بمستوى أقل من الكفاءة المهنية.. وبكل تأكيد أن الأسباب كثيرة من ضعف الأداء المهني للصحافة ووسائل إعلامنا بشكل عام، ولكن أحد أهم الأسباب هو عدم استثمار المؤسسات الصحافية في الحانب المهني للصحافيين.. من هنا أرى أن أول الأولويات على هيئة الصحافيين السعوديين هو استقطاع مبالغ محددة وواضحة وبنسب من الإيرادات السنوية بهدف صرفها على تطوير الأداء المهني للصحافيين.. ولنقل خمسة في المائة من الإيرادات أو عشرين في المائة من الأرباح الصافية؛ لتكون مخصصة سنوياً للصرف على تطوير الكفاءات الصحافية، كحضور دورات تدريبية، وابتعاث خارجي، وزيارات لصحف عربية ودولية، وغيرها من البرامج التدريبية لمنسوبي الصحف.
2- ينبغي أن تعمل هيئة الصحافيين السعوديين على تدعيم مبدأ أن الصحيفة هي رسالة اجتماعية قبل أن تكون مشروعاً تجارياً.. وعلى الرغم من أهمية الربح المادي للصحيفة إلا أن هذه الأرباح أصبحت هي الغاية التي تسعى إليها صحافتنا.. ولهذا يسقط رؤساء تحرير وتسقط إدارات صحافية كلما تقلصت نسب الربح التي يكسبها المساهمون في نهاية كل عام.. أرى أن هيئة الصحافيين مناط بها مهمة تغيير النظرة وتحويل اتجاهات المؤسسين إلى رفع أيديهم إلى رؤوسهم بدل مد أيديهم إلى جيوبهم.. وتعويدهم على هذه العادة.. ونحن نعلم أن إحدى مواد نظام المؤسسات الصحافية السابقة تشير إلى أن للصحفية رسالة اجتماعية ينبغي المحافظة عليها.. وكذلك يشير نظام المؤسسات الصحافية الجديد في مادته الثانية (ب) إلى أن المؤسسات.. يكون رائدها خدمة المجتمع بنشر الثقافة والمعرفة.. وللمؤسسة أن تحقق أرباحاً معقولة بشكل لا يتعارض مع غايتها..
3- ينبغي أن يكون للهيئة -جنباً إلى جنب مع بعض المؤسسات الأخرى ومن بينها الجمعية السعودية للإعلام والاتصال- دور بارز وكبير في التأثير على الشأن الإعلامي المحلي، بما يهيئ تطوراً نوعياً في الشكل والمضمون والاستراتيجيات.. وهذا مطلب حيوي للمرحلة القادمة من الفكر الإصلاحي الذي تضطلع به الدولة.. وندرك الدور الذي تقوم به -كذلك- مؤسسات الإعلام الرسمية في محاولة إحداث تغيير ملموس ونوعي في الشأن الإعلامي الوطني..
وختاماً، أرى أن هذه الهيئة قد تجسد الكثير من تحقيق الآمال التي يتطلع الصحافيون إليها، ولكن ينبغي أن تكون هناك أهداف أخرى خارج سياق العلاقة بين الصحافيين ومؤسساتهم، وخارج سياق الأمن الوظيفي، رغم أهمية هذه القضايا، تتناول هذه الاهتمامات القضايا الكبرى والرؤى الاستراتيجية لدور الهيئة في المجتمع المدني.. ونحن في الجمعية السعودية للإعلام والاتصال نبارك هذه الخطوات، ونهنئ لهذا المجلس انتخابه، ونأمل أن تحقق الهيئة أهدافها التي نتوخاها جميعاً..
رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال- أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
|