* بين يدي كتاب اسمه (نهاية العالم.. كيف ومتى؟)، أبعثه إليكم لتروا رأيكم فيه، بعد ترددي في بعض ما ورد فيه لعلكم تبيِّنُون الخطأ والصواب، حتى يمكني الاعتماد عليه في الدراسات والبحوث العلمية.. وفقكم الله.
محمد محمد زين مصطفى اللبابيدي - مصر- الجامع الأزهر.
ج- أقدِّر للشيخ الدكتور ثقته وجهوده المعروفة، وسوف أبيِّن ما في الكتاب من خطأ وصواب، حسب فهمي بصورة عجولة:
1- لم أر بالكتاب فهرساً، كما لم أر له مراجع علمية.. إنما جاء الكتاب تتراً كيفما اتفق دون فحص للنص المذكور. وقد جاء الكلام على شكل خطاب مباشر، يميل كله إلى أسلوب الوعظ والانشاء.. ولعل عذر الشيخ الشعراوي، إن كان في كتابه ما فيه، أنه نُقل عنه نقلاً، وسُطِّر عنه تسطيراً ورُقِّم عنه ترقيماً، أو هكذا يبدو لي.. والله أعلم.
2- بدأ الكتاب بالفصل الأول هكذا:
الفصل الأول: الإنسان وقوانين المتغيرات من ص 7 حتى ص 16.
3- وقد بدأ الكلام في هذا العنوان مخالفاً له، فقد جاء سرداً على طريقة 1-2-3-4-5/ الخ، فلم أجد فيه جديداً يحكي حال عقل ونفس الإنسان، ولم تتم ترجمة القوانين, ولا المتغيرات إنما جاء الطرح متناولاً للمراد بانشاء سردي تذكيري مع ما فيه من عدم التناسق بين وحدة الموضوع وعناصر المعنى.. فقد ذكر الكتاب الموت والانتقال ص 7، والجهل والقانون والاكتشاف، والعلم كل هذا في ص 8، والكتاب من القطع المتوسط ولست أظنه عوَّلَ على (مفتاح دار السعادة) لابن قيم الجوزية، ولا الطب النبوي له أيضاً، ولا (رسالة الهلال) لابن تيمية.
4- وجاءت ص 10/11 ذاكرة: العقل، وبعضه ذكر وسائل الاتصال الحديثة كالصاروخ الخ، باسلوب جمعي تلقائي بين هذا وذاك بحب الخير والدعوة إليه.. لكن جاء الطرح هنا بروح سريعة، سريعة جداً بحيث إنك لا تكاد ترد النَّفَسَ إلا وقد انتهت الصفحة مع عدم وجود جديد اجتهادي مطلوب.. وأغلب الظن أن هذا الكتاب جاء نقلاً عن بعض الحلقات التي يلقيها الشيخ في الجوامع فكان هذا السرد الواضح، والطرح على نحو عجول.. وجاء هذا الفصل على هذه الشاكلة، وأجمل ما في هذا الفصل هو ربطه بين الشرح والآيات برابط جيد لم أجد عليه ملحظاً آخذه عليه.
5- ثم الفصل الثاني هكذا الفصل الثاني:
(البداية والنهاية) واشتمل العنوان من ص 19 حتى ص 30، وهو مثل سابقه سواء بسواء مع اختلاف طفيف من حيث المعنى.. وجملة هذا الفصل أنه رد على أهل الالحاد وقد خلا من التنظير العلمي المطلوب في مثل هذه المعالجة، ولست أظنه عول على (تفسير ابن كثير)، ولا (العبودية) لابن تيمية، ولا (الرد على المنطقيين) له كذلك، وهناك كتاب متداول قد يغني عن غيره لو نظر إليه مع صغر حجمه ودقة عباراته هو (الوجود الحق) للدكتور حسن هويدي، فهو صالح إن شاء الله لمثل هذا الجدل حتى وان كان الملقي يميل إلى الطرح المباشر.
6- جاءت ص 23/22/21 بالحديث عن الروح وروابطها... الخ، ولقد استنكرت على الكتاب تناوله البدائي المتعجل، وإن كان ما ورد في جملته صحيحاً، ولعل ظني في مكانه أن الشعراوي لم يطالع (الطحاوية) للإمام الجليل الطحاوي وشارحها الإمام أبو العز.
إنه لو اطلع عليها لكفاه هذا مشقة طرح كهذا الطرح، وسرد كهذا السرد، علماً بأن الطحاوية كتاب لا يجب أن يستغنى عنه في مثل هذا الحين العصيب.
لقد أجمل الطحاوي، وشارح كتابه عجباً من قضايا التوحيد، والقضاء والقدر، والروح، والنفس، والعقل، والحياة والموت، والقبر، والأحلام، والدقيق والجليل من لوازم العبادة.
ومثل كتاب الشعراوي لا أدري كيف غاب عنه مثل كتاب الطحاوية.
في ص 23 جاء هذا السؤال: ما هي الروح؟
وجاء الجواب هكذا: (وإذا أردنا أن نعرف الروح فإنا نقول إنها ذلك السر الإلهي يهب الحياة للمادة)... الخ.
7- وفيها أيضاً: (حتى ان اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح، وكيف تهب الحياة للجسد؟) وإذا ما وافقتُ الشعراوي -رحمه الله- عن سؤال اليهود للرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الروح فقط، فلست أوافق أنها سر لكنها أمر غيبي اختلف الناس فيها على عدة أقوال كما في شرح الطحاوية.. وكذا من أين جاء أن اليهود سألوا كيف أن الروح تهب الحياة للجسد، هذا لم أقف عليه بنص صحيح، ولا يمكن إيراد مثل هذا إلا بدليل لأنه نقل. ثم جاء الفصل الثالث كزبدة للكتاب.. يقول العنوان: الاستقبال الإيماني للحياة وقد شغل من ص 35 حتى ص 47، ويصلح هذا الموضوع كخطبة جمعة لنهجه نهج الوعظ السردي الجميل الذي غلبت فيه العاطفة العقل، وتقدمت عليه، بينما كان الصواب - حسب فهمي- هو تناول هذا الموضوع بشيء من التناول المتأني لحقائق الإيمان وصفاته وثماره وطرق كسبه حال الطفولة وحال الكبر، وكيف أن الإيمان فطري الأصل.. الخ.
8- هذا هو المسلك، وهذا هو الطريق السليم، وقد ناقش كتاب (نهاية العالم..) مسألة (الله نور السماوات والأرض)، وقد بين هذا شُرَّاح الآية الثقات كابن سعدي, والشيخ الشنقيطي، وسواهما.
9- ومن ص 51 حتى 63 جاء الفصل الرابع يقول العنوان (المألوف ينتهي)، وقد أجاد المؤلف في ص 53/52 اجادة طيبة تقترب من الناحية العلمية الهادئة عن: الدم، وموهبة الطب، والقدرة.. وإن كانت هذه قد جاءت عرضاً إلا أنها جاءت في موضع سليم وترتيب سليم كذلك، ولو أن الشعراوي عاد إلى كتاب (تحفة المودود في أحكام المولود) لأحكم الطرح أيَّما إحكام.
10- وفي ص 67 حتى 80 جاء عنوان عقلي يقول: (الثابت والمتغير)، وقد أجمل المؤلف هنا شيئاً عن الحياة والموت، وأورد قصة إبراهيم عليه السلام مع إحياء الطير الأربعة، وكذا مريم وعيسى ... الخ.
وليس لي مآخذ على هذا الفصل لولا أنه أهمل هل الأصل في الإنسان الإيمان أو الكفر..؟ وهل الأصل الهداية أو الضلال، وهذان السؤالان ليسا مترادفين كما يظهر لأول وهلة؛ فالمعنى بين الأول والثاني مختلف أيَّما اختلاف كما بينه الطحاوي وسواه.
11- وقد كانت خاتمة الكتاب بالفصل السادس: (كيف نعرف الحقيقة).
وليس هذا الفصل خاتمة للكتاب، ولا مجملاً لما جاء فيه، ولا اضافة جديدة إليه إنه فصل مثله مثل سابقه الذي قبله، فقد رسم صورة لنهاية الحياة من خلال النص القرآني، وهي طريقة جيدة لكنه جاء بها سرداً انشائياً، ولو كان قد أفاض وحلل واستنتج لكان هذا الفصل هو بيت القصيد مما كتبه أو القاه.
12- حسب فهمي وحدود اطلاعي يستحق أن يعتمد عليه في الدراسات والبحوث لكنه كما سلف القول عنه، وهو كتاب جدير بالاقتناء، لو نظرة الشعراوي - رحمه الله تعالى- على أساس الأدلة والأقوال الصالحة الصحيحة.
رحمه الله تعالى وتجاوز عني وعنه بلطفه ومنته.
|