المحطة الأولى:
قد تمضي بنا الأيام فوق أمواج الحياة المتلاطمة، فوق سفينة تهب عليها الرياح من كل جانب، وأمواج البحر ترتطم بالصخور وتكسرها، ولا تعرف أين المرسى الذي سترسو عليه. وقد تترك جميع أطواق النجاة، ولا مرسى لنا نرسو عليه، لقد تهنا بين أمواج الحياة ولا نستطيع ان نتوقف إلا في وقت قد حسب لنا. فهل يشعر الإنسان بمعنى حياته، وقيمة عطائه، لقد اكتشفت أن هناك ما هو أشدّ من قسوة الغربة، إنها الوحدة والفراق، ولحظة الوداع والعيش بعيداً عن الأهل والأحبة.
إنه السكون حين ينبغي ان نتكلم، والبعد عندما نريد الاقتراب والتغاضي حينما يجب ان ينفجر فينا بركان القلب والآلام..
المحطة الثانية:
لا أريد لأصابعي أن تذبل، ولا أريد لحركتي أن تسكن، مسكونة أنا بالخطوات، وبخرائطي البصرية التي تحلّ فيّ وأعبرها متأملة وتبقى ترفدني بحيوية غامضة، يقظة لأهجر البارحة إلى يوم مختلف، ومتصل باكتشافاتي النهارية، وتأملاتي المسائية، جلست على شرفتي أتأمل الأفق البعيد، لأشجار، الجبال، المنازل الممتلئة بصفحات الأطفال، الشوارع النابضة بالحياة فجراً وحتى منتصف الليل زقزقة العصافير, صوت القطار، تصفيق النساء والأطفال وهم داخله فرحين ببلودان، ومضايا، والجرجانية والزبداني.. حقاً الشام نبض الحياة... وإحساس الإنسان بعمره وحيويته ونشاطه... حقاً إنها دمشق الغناء.. الخالدة، الباسقة، المنارة، الياسمينة الفواحة العطرة.
المحطة الثالثة:
وأنا يا سيدي عندما أحببتك نسيت أنني امرأة شرقية، لذا... غامرت، وجاهرت، وكابرت وحاربت، وظننت أنني انتصرت.
أنا يا سيدي عندما أحببتك نسيت أن المرأة في بلادي تدفن حية فتمشي على الأشواك حافية القدمين، بيدها المقلاع والحجر، وفي خاصرتها رضيع من الجوع يحتضر، وفي رأسها ألف فكرة وفكر، تدافع عن أرضها، عن قدسها، عن شرفها، عن عرسها المنتظر، تجوب المدينة، تجوب القفار لتقضي على الصهاينة الأشرار. وتنجب من رحم فلسطين أطفالها الأبطال.
أنا يا سيدي عندما أحببتك نسيت ان الهوى في بلادي هواء فوقفت في وجه الريح أضخ هواك بقلب جريح، وأكشف عن جمالك بالقول الفصيح، وأسعد كلما قالوا لي:
إن فتاي من لوعة العشق طريح، وأنه كلما غنت فيروز (عن جارة الوادي) يجترح من صوتها بوح الحمام الجريح.
أنا يا سيدي عندما أحببتك نسيت ان الحب، حب تبعثره عصافير نزواتك، فصرت أنثرك بالجنان وأصمُّ أذني عن قول واش أو فتّان فلا أعبأ بما تخبئه الأيام من هزائم وخذلان.
ألا يكفي هزائمنا الداخلية، وانقساماتنا العشائرية وخذلاننا أمام أعدائنا.. وانكساراتنا وعدم انتصاراتنا، واستباحة أعراضنا، وبقر بطون أمهاتنا، وقتل الشيوخ في بلادنا..
متى نثأر لانهزامنا، متى نسترد أرضنا وعرضنا متى لن.. لن.. لن يهدر دمنا.. متى نصلي في قدسنا.. حينها سيكون للحب يا سيدي لون آخر، وطعم آخر، أتدري لماذا ..؟ لأنك ستكون رجلاً من النار، منثوراً فوق كل جدار، منتشياً بلذة الانتصار توحد الواحد القهار..
أنا يا سيدي عندما أحببتك، نسيت ان السكن في الجبال أسهل من العثور على كلمة صدق، وأن السباحة في بحر هائج أسهل من السباحة في الظن.
وظننت أننا سنأكل من زيتون جنين، ومن برتقال غزة، ومن تفاح نابلس، وياقطين يافا وأننا يوماً سنحتضن سور عكا العظيم وننسى الظلم اللئيم، وأيام التشريد والجوع والعطش والعتمة، والأشلاء الملقاة على الأرض.. فوق الجبين، ظننت انني بحبك سأهشم رأس شارون اللعين..
أنا عندما أحببتك يا سيدي.. نسيت ان بعض الرجال الأدعياء يخونون مع مرتبة الشرف الأولى مقابل حفنة من مال.. خانوا الوطن.. خانوا الأبرياء في أرض الشرفاء.. ساهموا في تخريب الديار.
ولكنني أحبك سيدي.. لأنك مع الأطفال ترمي الحجر والمقلاع.. ومع النساء تصنع حزام النار وتدخل وسط الميناء لتستشهد عاشقاً للقدس، للمقدسات، لفسلطين، للأرض والعرض ولكل الشرفاء.
حينها أحبك سيدي.. أعشقك سيدي لأنك شهيد الوطن، شهيد الواجب، شهيد الفداء، تذود عن الأرض والعرض وعن كل النساء.
وبعد..
فلسطين جريحة سيدي
وجرحها عميق، عميق، عميق
هيا.. هيا.. يا عربي ننقذ فلسطين بمآذنها، بمقدساتها، بشوارعها العتيقة، بزيتونها، ببيارات برتقالها وليمونها، بترابها.. بسمائها..
كلنا لها....
كلنا لها.... كلنا.... لها
لحظة دفء
المرأة الأنثى قد تمنحك السعادة التي لا يجلبها لك كل مناصب الدنيا وأموالها وقصورها إن دفء عينيها قد يطرد صقيعاً يستوطن أفخم القصور. إن الحب (التضحية) لم يمت، حتى بين غابات الإسمنت، وتروس الآلة وإن صوته قد يبدو هامساً، ولكنه قد يكون في (همسه) أقوى من الدنيا بكل ضجيجها وصخبها وحربها، وسلابها.
للتواصل تليفاكس 012317743
ص ب 40799 الرياض 11511 |