لو بقيت الدول الكبرى أمينة لمبادئها فإنها يمكن أن تسهم في رسم وتنفيذ حالة دولية مثالية، لكن الأطماع والميل إلى الهيمنة يفضيان إلى مبادئ ناقصة وآليات عرجاء، فالديموقراطية التي تتغنى بها الثماني الكبرى وتسعى إلى تطبيقها تفترض مشاورة أهل المنطقة، منطقة الشرق الأوسط، فيما يراد لهم وبهم، كما تفترض أن تأخذ الدول الكبرى، وهي ترسم المشاريع السياسية، أن تتضمن هذه المشاريع التطلعات والأماني، وقبل هذا وذاك الحقوق المشروعة التي ينبغي تأمينها.. ويؤكد أهل المنطقة على أهمية الإصلاحات، ويؤكدون سعيهم إليها، وفقاً لرؤاهم ومبادئهم.. كما يؤكدون تطلعهم إلى تسوية عادلة وشاملة ونهائية للصراع العربي الإسرائيلي كأولوية لا تزاحمها أولوية أخرى، لكن الثمانية الكبار، مع إقرارهم بأهمية هذا الأمر، إلا أنهم يرون أن الإجراءات الديموقراطية يجب أن تجد طريقها إلى دواوين ومجالس المنطقة التشريعية ومحافل مجتمعاتها المدنية قبل تحقيق التسوية التي ينشدها أهل المنطقة، أو تزامناً مع جهود السلام.. وعلى الرغم من قناعة نفر من بين الثمانية الكبار بصواب وجهة نظر أهل المنطقة واقتناعهم بوجاهة ما يذهبون إليه، إلا أنهم لم يشاؤوا إفساد روح الوئام التي سادت قمة الثماني الكبار في أمريكا التي استضافها الرئيس الأمريكي، ومن المؤكد أن أؤلئك الذين يتعاطفون مع وجهات نظر أهل المنطقة العربية رأووا أن من الخير لهم خطب ود الحليف الأمريكي بدلاً من إبداء التعاطف مع عالم عربي تنتابه المشاكل ويعصف به عدم الاستقرار.. ولهذا فقد رأينا دولة مثل روسيا، رغم قناعتها بوجهة النظر العربية، إالا أنها فضلت مسك العصا من الوسط، وتلخصت وجهة نظرها في: أن روسيا تدعم خطة العمل لكنها لا تريد المساهمة في التسهيلات المالية الجديدة البالغة 100 مليون دولار للمساعدة في الإصلاحات المنشودة. وقالت روسيا، من أجل إرضاء أهل المنطقة: إن تطبيق الخطة يحتاج إلى أن تتزامن مع تسوية النزاعات في المنطقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكذلك المشاكل في العراق وافغانستان.. ويعكس الإصرار الأمريكي خصوصاً، على ما تسميه واشنطن بالإصلاحات في المنطقة وهن الإرادة الأمريكية في تحقيق السلام، خاصة السلام الحقيقي الشامل الذي يناقض تطلعات إسرائيل في السيطرة والهيمنة على المنطقة، والذي لا يعترف بالحقوق الفلسطينية.. فالسلام العادل الذي يقوم على قرارات مجلس الأمن الدولي والذي تدعمه مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت لا يتفق مع التصورات الإسرائيلية، وبالتالي الأمريكية ولهذا فإن الولايات المتحدة تسعى إلى الالتفاف على التوافق الدولي في السلام من خلال الدفع بهذه المشروعات السياسية التي تتصور منطقة متوافقة مع تصوراتها هي، ومن ثم خاضعة لإرادة إسرائيل، ومن خلال ذلك يمكن تمرير التسوية التي ترغب فيها واشنطن وتكون متوائمة مع التطلعات والمقاييس الإسرائيلية، لكنها تتنافي مع تطلعات الفلسطينيين والعرب، وتترك ملايين الفلسطينيين هائمين على وجوههم في الشتات وتحصر آمالهم وأمانيهم في مجرد خيمة على أرض غريبة.
|