المداراة صورة من صور التعامل الدال على الحكمة والموصل إلى المقصود مع حفظ الكرامة والمروءة.
إن النفوس المطبوعة على المداراة نفوس أدركت أن الناس خلقوا ليكونوا في الائتلاف كجسد واحد، وشأن الأعضاء السليمة أن تكون ملتئمة متماسكة على قدر ما فيها من حياة، ولا يقطع العضو المركب في الجسد إلا أن يصاب بعلة يعجز الطب عن علاجها.
فالمداراة يقصد بها جمع الناس على الرضا والتآلف في حدود ما ينبغي أن يكون، وينبغي أن نعلم أن لذكاء الرجل وحكمته مدخلاً عريضاً في فقه المداراة وحسن استخدامها وطريقة الإفادة منها.
قد يكون للتنوع في طبقات الناس تنوع في مداراتهم، فمدارة المنحرف عن الحق لسوء فهم أو خطأ في ظن أكبر من مداراة من يحارب الحق والفضيلة إن صادفك واقتضى الحال مداراته.
إن المداراة مسلك كريم يتقنه الحكماء والأذكياء ولا يتعدى حدوده الفضلاء.
إنه يجب علينا أن نفرق بين المداراة والمداهنة وأن نميز بينهما، فالمداهنة: إظهار الرضا عن الغلط من الظلم والفسق من قول باطل أو عمل ممنوع، على هذا فالمداهنة مسلك ذميم ينطوي تحت جناحية الكذب، وخلف الوعد، والتلون، فالمداهنة غير المداراة.
( * ) عضو الدعوة والإرشاد بالرياض |