القرآن الكريم هو دستور الإسلام ومعجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء رحمة للعالمين, وتحفيظ القرآن الكريم والعناية به، هي عناية بأصل التشريع في الإسلام، وحماية للأمة من أي انحراف، أو زيغ بنافي مقاصد الشريعة، أو يخرج بها عن الصراط المستقيم. والجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في بلادنا المباركة وبفضل من الله عز وجل ثم رعاية ولاة الأمر- حفظهم الله- تقوم بدور عظيم في رعاية كتاب الله، وتربية الناشئة والشباب على هديه وآدابه، وأثمرت جهودها في هذا الصدد في اعداد الآلاف من حفظة القرآن الكريم المنتشرين في طول البلاد وعرضها يعبدون الله عن علم ويدعون إلى الله على هدى وبصيرة ويرسخون مبدأ وسطية الإسلام وسماحته، البعيدة كل البعد عن الغلو والتطرف، أو الإفراط، والتفريط. وتتعاظم مسؤولية جمعيات التحفيظ في الوقت الراهن في مجابهة دعاوى الغلو والتطرف التي أهدرت الدماء المعصومة وروعت الآمنين في بلادنا الغالية، أكثر من أي وقت مضى. فحملة كتاب الله هم أولى الناس وأقدرهم على مواجهة الدعاوى الزائفة، وتفنيدها، ومبرراتها بنصوص الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة بعدما ثبت ان الإرهابيين، والمتطرفين والغلاة ينزلون آيات القرآن الكريم في غير مواضعها، ويأولون النصوص وفق أهوائهم لتبرير جرائمهم عن جهل بأسباب نزول هذه الآيات، وتفسيرها الصحيح، تأويل النصوص وتحريفها لهوى في النفس، أو مرض في القلب، أو انحراف في الفكر.
وإذا كانت مواجهة العنف والتطرف مسؤولية المجتمع بأسره، بكل مؤسساته، وهيئاته فإن الجمعيات الخيرية للتحفيظ لابد أن تكون في مقدمة صفوف المواجهة وأن تملك من الآليات والوسائل ما يمكنها من القيام بواجبها في الدفاع عن العقيدة الصحيحة، ولا سيما أن الأعمال الإرهابية وضعت العمل الخيري بأسره، وجمعيات تحفيظ القرآن على وجه الخصوص في دائرة الاتهام- عند من في قلبه مرض- وذلك بترسيخ الإرهاب وتفريخه، وهي من ذلك براء والوقائع تؤكد ان حفظة القرآن الكريم هم أبعد الناس عن الغلو، وألصقهم بالوسطية والاعتدال.
ومن ملامح مسؤولية الجمعيات الخيرية للتحفيظ في مواجهة الغلو والتطرف بيان موقف الشريعة من هذه الآفة، والفئات الضالة، وكشف مواطن الخلل في تكفيرها، والتعريف بمخاطر أفكارها التكفيرية، وعملياتها التفجيرية وخروجها على الجماعة، وبذرها لبذور الفرقة والفتنة، كذلك التعريف بمسؤولية المسلم في مواجهة هذه الفرق الضالة كل في حدود استطاعته، ويدخل في نطاق مسؤولية الجمعيات الخيرية أيضاً في هذه المواجهة العمل على استقطاب المزيد من الناشئة والشباب للاجتماع على مائدة القرآن الكريم حفظاً ودراسة، وتجويداً وتفسيراً بدلاً من تركهم للفراغ والحماس والاندفاع الذي يجعلهم صيداً سهلاً لمروجي الأفكار الضالة.
وقيام الجمعيات بهذا الدور بخلاف كونه واجباً لحماية الأمة، وتحصين الناشئة والشباب من الانحراف الفكري والعقدي، فإنه أيضاً ضرورة لدفع الاتهامات التي يطلقها أعداء الدين ضد جمعيات التحفيظ بغية عرقلة مسيرتها الخيرة في العناية بكتاب الله، كذلك الدفاع عن القرآن الكريم دستور الأمة ومنهجها، وهو دور يستحق من جميع القائمين والعاملين وحتى الدارسين في جمعيات التحفيظ القيام به دفاعاً عن المصدر الأول للشريعة الغراء. ولا شك أن النجاح في تحقيق هذا الهدف يتطلب الوعي بما تمر به الأمة الإسلامية في الآونة الأخيرة من صعاب، وما يواجهها من تحديات، كما يتطلب تحديث وتطوير آليات وخطط وبرامج جمعيات التحفيظ بما يتفق وطبيعة العصر. ولعل هذا ما يحرص عليه، ويوجه إليه معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد رئيس المجلس الأعلى للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم من خلال مطالبته بألا يقتصر دور الجمعيات على عملية التحفيظ فقط، بل لابد أن يتسع لتوعية وتحصين الناشئة والشباب من الدارسين من أية أفكار، أو دعاوى تنافي مقاصد الشريعة، بل وتسليحهم بالعلم الشرعي الذي يقيهم من مثل هذه الدعاوى المغرضة والأفكار المضللة وترسيخ منهج الوسطية والاعتدال كمبدأ ثابت في كافة الأعمال والمناشط.
ولعل الملتقى الأول للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الذي يعقد في محافظة الطائف مناسبة طيبة لبحث تفعيل دور جمعيات التحفيظ في معركة مواجهة الإرهاب والغلو، كذلك الوقوف على أفضل الآليات، والوسائل لتحقيق هذا الهدف الذي لا يقل أهمية عن جهود تحفيظ القرآن الكريم، ورد الشبهات عنه.. والله متم نوره ولو كره الكافرون.
|