حلقات أعدها: صالح آل ذيبة - حسن آل شرية 6/5
في حلقة اليوم نلقي الضوء على مركز حمى التابع لمحافظة ثار التي تتبع بدورها منطقة نجران.. وسنستعرض هذا المكان التاريخي الذي يفوح بعبق الماضي البعيد لنتعرف على أبرز المعالم الأثرية والحضارية فيه..
الموقع
يقع مركز حمى في الجهة الشمالية الشرقية لمنطقة نجران على بعد مائة وخمسة وعشرين كيلومترا جميعها معبدة وذلك عبر طريق نجران الرياض الرئيسي ومن ثم من مفرق حمى (25) كيلومترا إلى الموقع.
التضاريس
تتفاوت تضاريس مركز حمى ما بين سلاسل من الجبال تمتد غرباً لتتصل بالأطراف الشرقية لمرتفعات السروات الشاهقة وبين أودية وشعاب وسهول واسعة تتجه الى الشرق لتتداخل تدريجياً مع رمال الصحراء بالربع الخالي.
المسمى
حمى مكان قديم التسمية والسبب الرئيسي وراء هذا الاسم مجهول وغير معروف لدى السكان.. إلا ان هذا المكان عرف عنه أنه نقطة مهمة للقوافل القديمة كاستراحة ومورد للتزود بالماء حيث انه يحتوي على عدة آبار متقاربة المسافة حفرت باتقان في صخور الجبال المحيطة بمركز حمى من الجهة الغربية.. ويرجع تاريخها إلى حقبة زمنية بعيدة جداً.. وقد كانت القبائل القريبة من هذا الموقع تتكفل بحمايته لأنه بالنسبة لهم يمثل موردا مهما للماء أكسير الحياة الذي لا يعادل بثمن.. لذلك ربما يرجع مسمى حمى نسبة إلى هذه الحماية المستمرة والمشتركة من جانب تلك القبائل..
سكان حمى
يبلغ سكان مركز حمى قرابة الألفي نسمة.. يشتغل غالبيتهم في قطاعات الدولة المختلفة ماعدا القليل الذين يشتغلون في مجال التجارة وتربية الماشية.. أما عن الحديث عن هؤلاء السكان في الماضي القريب فإن غالبيتهم كانوا من البدو الرحل الذين يتبعون أماكن الرعي وتجمع المياه.. برفقة قطعانهم المكونة من الإبل والأغنام التي تعتبر مصدر رزقهم الوحيد.. أما اليوم فحمى تعيش نهضة شاملة.. تسابق الزمن لتتمكن في القريب العاجل من الاكتفاء بحول الله وقوته.. ثم بذلك الدعم اللا محدود الذي يتمتع به هذا الموقع من لدن حكومة هذه البلاد الرشيدة - رعاها الله - التي كفلت لكل مواطن وعلى أي شبر من تراب أرضها الطاهرة حياة كريمة له ولأجياله القادمة.
الإدارات الحكومية
بالإضافة إلى مركز الإمارة توجد بحمى بعض فروع الإدارات الحكومية المهمة والحيوية وهي:
مركز الرعاية الصحية
كان لمركز حمى نصيبه من الخدمات الطبية كباقي مراكز ومحافظات منطقة نجران حيث تم تأسيس مركز الرعاية الصحية الأولية بحمى في العام 1409هـ ليقدم لسكان هذه البقعة من الوطن الحبيب الخدمات الطبية الضرورية وليقوم باعطاء كافة التطعيمات اللازمة لجميع المواطنين التابعين له تحقيقا لما ترمي إليه خطط التنمية الشاملة التي من ضمنها بناء مجتمع صحي سليم وخال من الأمراض بإذن الله.. وهذا المركز مكون من طبيب عام وبعض الممرضات وموظفي استقبال وسجلات صحية بالإضافة إلى سيارة لجلب الطلبات مع سائقها وكذلك سيارة اسعاف مجهزة مع سائقها لنقل الحالات الخطرة التي يتطلب وضعها الصحي سرعة نقلها الى مستشفيات منطقة نجران.. كما يوجد مركز صحي آخر مطور وحديث تم تأسيسه بعد مستوصف حمى يقع في هجرة نعوان أكبر الهجر التابعة لمركز حمى كما كان للجانب التعليمي نصيبه الوافر نظرا لأهميته في بناء مجتمع متعلم ومثقف.
مدارس البنين
يوجد بمركز حمى بعض المدارس الحكومية للبنين.. كمدرسة حمى الابتدائية التي تم تأسيسها عام 1395هـ وكذلك مدرسة حمى المتوسطة التي تم تأسيسها عام 1403هـ ومدرسة حمى الثانوية كما يوجد في هجرة نعوان التابعة لمركز حمى مدرستان للبنين للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة وتوجد كذلك في هجرة المتنزه مدرسة ابتدائية للبنين.
مدارس البنات
حظى تعليم الفتاة بمركز حمى بجانب من الاهتمام حيث تم تأسيس مدرسة حمى الابتدائية للبنين عام 1404هـ وافتتحت بعدها مدرسة حمى المتوسطة للبنات.. ويوجد كذلك في هجرة نعوان مدرستان للبنات للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة.. أما مدارس المرحلة الثانوية فلا يوجد إلى الآن.
كانت هذه نبذة مختصرة عن أفرع بعض الإدارات الحكومية الموجودة بمركز حمى إضافة إلى مركز الشرطة الذي يقوم بمهمة حفظ الأمن وسلامة المواطنين.
الهجر التابعة لمركز حمى
- هجرة نعوان.. وهي أكبر الهجر ويوجد فيها أغلبية السكان وتقع إلى الغرب من مركز حمى وتبعد عنه حوالي (16) كيلومترا
- هجرة انسر.. وتقع إلى الشرق من مركز حمى على مسافة (3) كيلومترات.
- هجرة المنتزه.. وتقع إلى الشرق من مركز حمى على مسافة (16) كيلومترا.
آبار حمى القديمة
تتكون آبار حمى القديمة من ثلاث آبار هي: الحماطة - الجناح - الخياسة وهذه الآبار مليئة بالمياه حتى الآن ويستفيد منها السكان.. وجميع الجبال المحيطة بها تكاد لا تخلو من النقوش والكتابات القديمة التي كتب أكثرها بالخط المسند القديم.. أما بقية الآبار فهي محدثة مع بداية الدولة السعودية.
الجبال المشهورة بحمى
- جبل صيدح.. ويقع في مدخل حمى من جهة الشرق على بعد كيلومتر واحد من مركز الإمارة.. وتوجد به بعض الكتابات والنقوش القديمة والأثرية.
- جبل الخطام.. ويقع في الجهة الشمالية من مركز حمى على بعد (10) كيلومترات.
- جبل غيلان.. يقع في الجهة الشمالية الشرقية من مركز حمى على بعد (25) كيلومترا ويتميز هذا الجبل بأنه يرد صدى الصوت بوضوح تام من موقع واحد فقط إذا تجاوزته إلى أية نقطة أخرى أو موقع مختلف وقريب من الجبل فإنه لا يرد الصدى.
- جبل عان جمن.. يقع في الجهة الشمالية من مركز حمى على مسافة تقدر بـ(10) كيلومترات .. يتميز بوجود بعض الكتابات والرسوم القديمة والأثرية.
آبار قديمة أخرى
هنالك آبار قديمة وأثرية بخلاف آبار حمى السابقة الذكر وهي آبار شسعا الواقعة في الجهة الشمالية الشرقية من مركز حمى وعلى بعد (25) كيلومترا بجانب جبل غيلان من جهته الشمالية وهي تتكون من ثلاث آبار ولا يوجد بها مياه
آبار حمى كمورد للمياه
تعتبر آبار حمى من أقدم الآبار المعروفة في منطقة نجران وهي أحد الموارد المهمة والرئيسة للبدو من قديم الزمان وحتى وقتنا الحاضر حيث كانوا يأخذون معهم عند الورود عليها عدة رفع المياه المكونة من (الرشاء) وهو الحبل والدلو (والعلق) التي تشبه عجلة السواقي ثم حوض الماء المصنوع من جلد الإبل لأنها كانت متفاوتة العمق.. وقد كانوا يتجهون إليها كل عشرة أيام في الصيف وكل شهر في الشتاء بالنسبة لأصحاب الإبل.. أما صاحب الغنم فيسقيها في الصيف كل ثلاثة أيام وفي الشتاء تكفيها رطوبة العشب إذا كان مخضراً وان لم يكن فالوردة كل شهر.. ويردد البدو عند اخراج المياه من البئر بعض الأصوات التي تساعدهم على إنجاز المهمة دون ملل وإذا كان المورد عميقاً كبعض الآبار في حمى فإنه يجتمع أربعة أشخاص على الحبل ويرددون كلمة (يا هيب) حتى يخرج الدلو مليئاً بالمياه وإذا كان المورد قليل المياه نزل أحدهم مربوطا بحبلين في فخذيه إلى أسفل البئر يتولى ملء الدلو إلى أن يرتوي الحلال.
الجانب الأثري
يتمتع موقع حمى بمكانة مهمة جدا من الجانب الأثري وذلك لاحتوائه على الكثير من الكتابات القديمة والرسوم التي تحكي عن حياة الإنسان في تلك الحقبة الزمنية البعيدة وكذلك تشير إلى بعض التعليمات والإرشادات للقوافل والمارة وقد نقشت تلك الكتابات باتقان وعناية على صخور الجبال المحيطة بآبار حمى القديمة.. ولعل كثرة تلك الكتابات ترجع لعدة أسباب ربما يكون من ضمنها مكانة هذا الموقع بالنسبة للقوافل التجارية التي كانت تأتي من قرية الفاو القديمة ومن عدة مناطق أخرى في شمال وشرق وغرب جزيرة العرب، وكذلك من ممالك اليمن على سبيل التبادل التجاري للبضائع حيث برزت أهميتها في ذلك الوقت كنقطة مهمة في طريق القوافل كاستراحة نحط فيهار هم وكمورد مهم للتزود بالمياه الضرورية لمواصلة مسيرهم لذلك كانوا ينقشون كل ما يصادفهم ويدور من حولهم وما يعرفونه في أوقات استراحتهم ومكوثهم فيها.. وهذه الكتابات تكاد تكون خليطا بين المسند الجنوبي والكوفي وهي ان دلت على شيء فإنما تدل على أنه قد عاش في ذلك الزمان والمكان مجتمع على قدر من الحكمة والوعي والتحضر
كما ان بعض تلك النقوش والكتابات تحمل بين طياتها بعض الأسرار والقصص ومن ضمن تلك القصص قصة تدور على ألسنة بعض أهلها مكتوبة على صخرة عريضة تقابلك عند مدخل بئر الحماطة من الجهة اليسرى وهي تحكي عن احراق أهل الاخدود الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم وقد نقشتها فتاة كانت ضمن الناجين من تلك المحرقة العظيمة
الجدير بالذكر هنا ما وجد مؤخرا من أعمدة صخرية متفاوتة الطول يطلق عليها مسمى (قرايع) عبارة عن أحجار متراصة يتفاوت ارتفاعها ما بين المتر ونصف المتر ممتدة بخط مستقيم من آبار حمى حتى مسافة (10) كيلومترات شمالا يفصل بين كل واحدة منها والأخرى مسافة (500 متر) وهي عبارة عن علامات إرشادية تدل القوافل والرحالة على طريق حمى.
مشاريع تنموية
لقد تم خلال السنوات الماضية تنفيذ العديد من المشاريع التنموية والهامة لهذه المنطقة والفضل بعد الله سبحانه يرجع للدعم اللا محدود والسخي من قبل ولاة أمر هذه البلاد الطاهرة - رعاهم الله - ثم لتلك المجهودات الجبارة والمبذولة من صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة نجران الذي حرص منذ توليه إمارة منطقة نجران على النهوض بالمنطقة وكافة محافظاتها ومراكزها وهجرها بدون استثناء لأي منها.. وكما ترون نال هذا المكان نصيبه الوافر منها وقد كان من ضمن تلك المشاريع الهامة ايصال التيار الكهربائي الى كل مكان بدءا بالمركز ثم الهجر التابعة له وكذلك بعض مدارس البنين والبنات والقادم بعون الله أكثر.
احتياجات الأهالي
لقد قابلنا أثناء جولتنا في مركز حمى وهجره العديد من المواطنين الذين شكروا ولاة أمر هذه البلاد على ما يولونه لهم من دعم ورعاية وثمنوا عالياً جهود أميرهم المحبوب مشعل الخير والعطاء مع ذلك أحبوا وطمعوا في أن يتواصل ذلك الحب والرعاية ويتحقق لهم القليل المتبقي وهو ايصال شبكة الهاتف الثابت والجوال إليهم حيث انه أصبح ضرورة هامة من ضروريات الحياة كذلك افتتاح ثانوية خاصة بالبنات ومركز للدفاع المدني.
ختاماً نصل وإياكم إلى نهاية جولتنا في هذه البقعة الأثرية من بلادنا الحبيبة وكلنا أمل في أن نكون قد رسمنا ولو بعض الملامح عن هذا المكان العبق برائحة التاريخ الزكية.
|