في هذا العالم -هناك- مَن يحاول أن ينقر حبة الوجود دونما التهام!!
قدمتُ من قارعة النسيان بعدما قرأتُ أرشيف تلك الحياة التي كنتُ قد سكنتها بقامة أحلامي.. ومازلت مع ركام ذاكرتي القادمة بكل افتراس.. أركض في شوارع مستحيلة.. يتربصني الرعب.. وتتجاهلني الأصوات الملونة!
إلى حين وصولي.. ثمة أشياء أتذكرها:
الباب ذات الباب لم يصدأ..
النوافذ ذات النوافذ لم تفتح..
الوداع ذات الوداع عارٍ لم يتبدد..
حملقت في الموجودات بعينين ناطقتين بعد أن أزفت الدهشة.. كان هناك في بقعته التي قلَّما يتقاطر منها ضوء عابر.. يتأمل بعنفوانه ليلة الدموع مثل عملاق ساخر عندما رحلتُ عنه، وتركته يصارع وخز اللحظات.. ويبصق اللاءات في سبيل أن أبقى على ضفاف محيطه كطفل مطيع.. لكنني لم أستطع أن أمنحه إلا هذه الحياة الحافية.. الحافية من كل شيء تقريباً!
- لقد هربتَ من عالمي.
- كان عالمك منطفئاً!
- وهل أيقظت مجهولك الفائت؟
- لقد أيقظني التوق لأوصد به ذاك المجهول.
في الجانب الآخر لاحظت فوضى عتيقة صادرة من أناس يتسولون البوح بين لحظة وأخرى، وينقلونه مع الرياح الهاربة. فلم يكونوا قادرين في يوم من الأيام على إثبات تمردهم وجرأتهم لمَن وجه إليهم صفعة مؤلمة أقعدتهم عن الكلام لفترات طويلة. أجدهم الآن يشمرون عن تثاؤبهم، ويزيحون ذاك الغبار الذي نما على وجوههم منذ أمد ليس بقصير! ليدافعوا عن قوت حياتهم، ويفسحوا المجال لألسنتهم التي تناثرت عليها بثور الصمت.. وتجاعيد الألم.
كنت أمد زراعي إلى الأفق علَّني ألتقط شيئاً من تلك الصرخات التي كانوا يرددونها مثل لحن قديم، لكنني رافقت تلك الظلال المرتجفة التي هربت إلى الخلف مسرعة وملبية تلك الشعارات المكتوبة على جدران الليل: (الضياع لمَن مر من هناك).
وقفت أمام بوابة الذكرى حينما شعرت بحاجة ماسة إلى مَن يعود بي لتلك الفترة.. الفترة التي قضيتها في أنبوبة خانقة يمسكها رجل فاتر لا يعي حقيقة الزمن القادم.. ولا يمكن له أن ينتظر ما تفصحه السنوات من جراحات.. كان وقوفي عندها طويلاً ومرتبكاً في نفس الوقت، أصبحت -بعدها- متكدساً تحت العتمة.. تلك العتمة التي شردت فيها ذات ليلة! مثل طائر مقهور يفتش عن مملكته التائهة دونما اكتراث بأحد.
|