يتحدث الناس في مكاتبهم ومساكنهم عن أسواق الأسهم المحلية، وحركتها التي استمرت في الصعود بأرقام قياسية في مدة قصيرة، ثم نزولها إلى مستويات متدنية عند مقارنتها بأعلى سعر وصلت إليه مع تناسي سعرها في الفترة التي سبقت ذلك الارتفاع المفاجئ والمتواصل.
قبل الدخول في دهاليز تحليل هذه الظاهرة التي تبدو لدى البعض عصبة عن التفسير، يجدر بنا أن نلتفت الى الأسواق العالمية الرائدة والفائدة للاقتصاد العالمي، لنسترشد بها مع الفارق في الظروف والمؤثرات، فاليابان قد تدهورت أسعار أسهمها قبل نحو خمسة عشر عاماً ومازالت بعيدة كل البعد عن تلك المستويات العالمية التي وصلت إليها، لقد وصل مؤشر نيكاي للسهم اليابانية إلى نحو يزيد على 38.000 نقطة عند أعلى مستوياته، وها هو الآن ولفترة طويلة من الزمن يتذبذب بين 10.000 أو دونها قليل و11.000 أو فوقها بقليل. ولم يفق من كبوته بالسرعة المأمولة ليصل إلى ما وصل إليه. والأسواق الأمريكية نالها ما نال الأسواق اليابانية فقد وصلت إلى مستويات قياسية، حيث تخطى مؤشر داوجونز لأسهم الشركات الكبيرة حاجر 13.000 نقطة، ومؤشر ناسداك لأسهم التقنية 5.000 نقطة، ثم هوت أسعار تلك الأسهم، وانخفض معها المؤشرات وغيرهما من المؤشرات, وذلك قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي كلينتون، بنحو أربعة أشهر، ووصل مؤشر داوجونز إلى نحو يقل عن 8.000 نقطة، كما ترنح مؤشر ناسداك حتى لامس 1.000 نقطة بعد 11 سبتمبر بقليل. وقد أخذت الأسهم الأمريكية في التماسك والارتفاع التدريجي حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، حيث يزيد مؤشر داوجونز عن 10.000 نقطة، وناسداك يحول حول 2.000 نقطة.
هذا الوضع الذي مرت به الأسواق العالمية ارتفاعاً وانخفاضاً كان انعكاساً للوضع الحقيقي لبعض الشركات، وتمثيلاً لسايكلولوجية المضاربين ولاسيما في أسهم التقنية منطلقين من قناعتهم بأن التقنية هي الحصان القادم الذي سيتربع على عرش الاقتصاد العالمي, غير أن توقعاتهم المدفوعة بتأثير المضاربة جعلتهم يتجاوزون المعقول في التوقعات المستقبلية لقدرة شركات التقنية على السيطرة على الساحة الاقتصادية العالمية، ولهذا فقد عادت الأسعار إلى واقعها لتسير بخطى معقولة نحو المعقول. مع الأخذ بعين الاعتبار المؤثرات الخارجية مثل الأوضاع السياسية العالمية مثل الحرب في العراق، والنشاط الإرهابي، والطلب في الصين على المواد الخام، وأسعار النفط.
إن السوق السعودي من وجهة نظري الخاصة ومن تجربتي أفضل الأسواق الاستثمارية في العالم وقد لايتفق معي البعض في ذلك لكن تجربتي الشخصية أكدت لي أن ما استثمرته في الأسواق السعودية أعطى ثماراً فاقت ما أعطاه غيرها من الأسواق بأضعاف المرات. لكن السوق السعودي والمستثمر السعودي يحتاجان معاً إلى معلومات أكثر عن بعضهم البعض ومزيداً من الشفافية بينهما.
ويمكن تقسيم السوق السعودي للأسهم إلى مجموعات تشمل تلك التي خسائرها واضحة للعيان، ولايبدو أن الشركة تسير بخطوات جادة لتجاوز أزمتها ومع هذا فهي باقية في السوق ويضارب عليها المستثمر دون علم بوضعها المالي والإداري والمستقبلي أو هو يعلم لكنه كمن يلعب القمار, ينفق ماله لعله يدخل مضارباً ويخرج رابحاً مبعداً عن ذاكرته أن سعر ذلك السهم قد يهوي حال شرائه أو انتظاره لارتفاع سعره. والمجموعة الثانية تلك الأسهم التي لا تحقق أرباحاً لكنها بدأت تتجاوز تلك المرحلة بتقليص الخسائر أو أنها أخذت طريقاً في تحقيق ربح مبدئي، وهذه الشركات لابد من تقييم سعرها وهل يعكس حقيقتها ومن ثم يمكن استعمال المحفظة على عددٍ من أسهمها، والمجموعة الثالثة تلك الشركات الكبيرة والجيدة التي تحقق أرباحاً وتوزعها لكنها تنمو وبمعدل بطيء وأسعارها في السوق ترتفع بكثيرٍ عن حقيقتها، ولا تتناسب تلك الأسعار مع ما توزعه من أرباح أو ما يتوقع لها من نمو، وهذه الشركات حتى وان كانت قوية كبيرة, فمن الأجدى تجنبها لأن سعرها لا يمثل الحقيقة. والمجموعة الرابعة تلك الشركات القوية التي يتوقع لها النمو مرتبطة بأسعار البترول أو تلك المرتبطة بأسعاره وكمياته المباعة وبالتالي مقدار توفر السيولة النقدية في السوق السعودي وهي توزع أرباحاً أكثر من سعر الفائدة التي يمنحه البنك وهذه الشركات تستحق الشراء ولاسيما أن أسعارها مازالت معقولة.
ان من غامر بشراء أسهم شركات تلك المجاميع التي لاتتوافق مع المنطق، قد يكون من المناسب هضم الخسارة والبيع ومعاودة الشراء في أسهم أكثر أماناً ومنطقاً، سواءً كان مضارباً أو مستثمراً.
ومهما يكن فإن توفيق الباري عز وجل هو الأساس في هذه الحياة الفانية وجدير بنا تذكّر قول الشاعر.
إذا لم يكن عون من الله للفتى
فأكثر ما يقضي عليه اجتهاده |
|