انتهت الامتحانات ولله الحمد، وارتسمت علامات الفرح والرضا على محيا الكثيرين، ولكن ذلك الشاب الحبيب كئيب، وتلك الفتاة الغالية حزينة، لماذا؟ إنهما لم يحققا النتيجة المأمولة ولم يحصلا على المعدل المطلوب لدخول كلية المستقبل. كأني بهما يرددان: لقد انتهت حياتنا.. مستقبلنا مظلم.. لا أمل لنا في النجاح بل لا أمل في أي شيء. كيف سنعيش؟ كيف سنبني حياتنا القادمة ؟ ماذا سيقول الناس عنا؟ وبعد فترة يربطون ذلك الإخفاق بإخفاقات أخرى قديمة ولو كانت بسيطة، وتكبر المشكلة وتتشعب ويحس الشاب او الشابة (المساكين) بأن حظهما عاثر في هذه الدنيا وأنه لا يوجد إنسان تعيس كتعاستهما، ثم يبدأ اللوم للأهل والمجتمع والمدارس ثم النفس. كل ذلك يحدث بسرعة ليس في أيام بل في ساعات فقط. تقفل البنت باب غرفتها على نفسها ويهرب الشاب إلى زملائه ولا يريد أن يكلم أحداً، وربما يرتكب أحدهما حماقة بقصد التنفيس أو الهروب من الواقع الذي رسمه بنفسه ولونه بكل الألوان القاتمة، واغلق فكره عن أي بصيص لنور الصباح المشرق البهي، لا يصدق أن المشكلة ستنحل لأنه لا يوجد لها حل أصلا كما يعتقد.
قُرَّائِي الأعزاء.. هذه مشكلة واحدة، ولكن في قلوب شبابنا مشاكل أخرى، كبيرة في أذهانهم مع أنها بسيطة في واقعها لمن يراها بعين العقل والتفكير والخبرة، وبعض تلك المشكلات يخيل للشاب أو الفتاة أنها بلا حل وهي نهايته المحتومة. وقد صُدِمْتُ فعلا لما سمعت شابات يتمنين لو أن الانتحار حلالٌ !! إلى هذه الدرجة.. إذن ما الحل؟ إن أول درجة في تقديم الحل لهم هو تفهم المشكلة.. إن من لديهم مشكلات عاطفية يكون العائق الأول للحل عدم القدرة على طرح القضية مع الأهل بصراحة أو حتى بتلميح.. ويعتقد الشاب أنه لا أحد يريد أن يتفهمه من الأهل، ولا يجد من يمد له يد الحنان لينتشله من غياهب الحزن الذي ألمَّ به. أحبائي الوالدين.. إن أولادكم بحاجة لكم اليوم أكثر من أي يوم مضى، إن عدم الحصول على معدل، او الوقوع في مشكلة بغير قصد، تجعل الدنيا تظلم في عيونهم، وتعجز قلوبهم الرقيقة عن تحمل الصدمة، وهكذا قلوبنا، فلو خسر تاجر في الأسهم كما حدث خلال الفترة الماضية فإنه يرى الحياة بلون غير الذي كانت عليه، ويرى الناس غير الناس، فما بالكم بالشباب الذين تعجزهم الفكرة وقلة الحيلة؟!! نحتاج ان نفتح آفاقاً جديدة لهم ونقنعهم بالبدائل الأفضل ولا نكتفي بالكلمات المطمئنة والتي أسميها (الأقراص المهدئة)، وأعطي مثالا هنا لمن كانت مشكلته عدم الحصول على معدل مرتفع فأقول: أحبائي الشباب والشابات.. من فاته قبول الجامعات فليس هذا هو نهاية المطاف، فكليات المجتمع والمعاهد بديل جيد، والسنوات التأهيلية التي تقدمها الجامعات والتعليم الموازي في كليات الطب كلها حلول ممتازة اذا فكرنا فيها، وليس ضرورياً أن يحمل الشخص مؤهلا عاليا ليكون ناجحاً في الحياة، فالنجاح يصنعه الشخص الذي يعمل لهدف سامٍ مهما كان مستواه العلمي. ولم أكن شخصياً أحلم أن أكون أستاذا جامعياً، بل كانت رغبتي مختلفة تماماً.. والآن حمدت الله أن وفقني لما أنا فيه وجنبني ما كنت أتمناه حينما تخرجت من الثانوية. أخيراً.. تعرفون إخواني الشباب قصة الشَّمْعَات الأربع التي كتب على إحداها الحب، والثانية السعادة، والثالثة النجاح، والرابعة الأمل.. ولما انطفأت شمعة الحب اختفت السعادة فانطفأت شمعتها، ففُقِد النجاح الذي انطفأت شمعته أيضاً، ولكن بقيت شمعة الأمل التي أعادت إشعال كل الشمعات.. وحَلَّ الحب من جديد ووجدت السعادة وتحقق النجاح وتجددت الحياة. لهذا كانت حياتنا من صنع أفكارنا، من فكر بالسعادة وعمل لها سعد ومن فكر بالشقاء أوكل إليه. تذكروا دائماً كلمة (الأمل)، وأسعدوا أنفسكم بالرضا، واستشعروا دائما أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيراً، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شرُ لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. تذكروا قول الشاعر (ضاقت فلما استحكمت حلقاتها. . . . . فرجت وكنت أظنها لا تفرج)!
ونطلب العون ممن لا يُعْجِزُهُ شيءٌ في الأرض ولا في السماء.. مُفَرِّج الهموم ومُنَفِّس الكُربات ومُيَسِّر كل الصعاب.. سبحانه.
متمنياً لكم الصحة والسعادة دائماً.
(*) استشاري التغذية الاكلينيكية
فاكس 4355010 تحويلة 386 |