سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الغراء المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد قرأت ما كتبه الأستاذ عبدالرحمن بن سعد السماري في زاويته (مستعجل)، كما قرأت ما نُشر في صفحة (شواطئ) الجمعة حول كتاب (عن الشيخ) المؤلف الجديد عن سماحة العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ ويسرني أن أوضح الآتي:
أولاً: لقد وفق صاحب الكتاب مثلما وفق كاتب الزاوية عند إشارته إلى هذه المعلومة المهمة وهي البدايات الحقيقية لواحدة من أكبر المقابر في العالم الإسلامي إن لم تكن أكبر مقبرة بالفعل كمساحة وامتداد وهي مقبرة النسيم بالرياض.
ثانياً: ان هنالك جهداً غير منظور ودوراً لم ينقل في هذه المقابر لحضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض- حفظه الله- وأسبغ عليه لباس الصحة والعافية وأمد في عمره ، فهذا الرجل الصادق المؤمن الخيِّر السبَّاق لميادين الخير وقف مع وقف هذه الأرض وساند المشروع عندما حصل شد وجذب ونقاش حولها وعندما رأى البعض تغيير موقعها ونقلها إلى مكان آخر، فكان لسمو أمير منطقة الرياض - حفظه الله - موقفاً حازماً شجاعاً يعكس روح المسؤولية وروح المؤمن الصادق المخلص لدينه وأمته عندما وجّه سموه - حفظه الله - ببقاء الوقف واستمرار تنفيذ وصية الشخص بالتبرع بالأرض (مقبرة)، وهذا بالطبع لا يُستغرب من سلمان بن عبدالعزيز ولا يستكثر عليه، فقد عرفه كل الناس أهالي الرياض وغيرهم بالغيرة الشرعية وحب الخير وحب أهل الخير، عرفوه بالصدق والعزيمة، عرفوه بالالتزام، عرفوه بالإيمان الصادق والغيرة للدين والمساجد والأوقاف والأئمة والخطباء والفقهاء والقضاة والدعاة والعلماء ورجال الحسبة هم خير من يعرف ذلك عن سموه وخير من عايشه عن قرب إذ كان لسمو أمير منطقة الرياض الدور الأهم والرئيسي في استمرار وجود هذه المقابر واستمرار تنفيذ الوصية وإيقافها كمقابر وصرف النظر عن بعض الآراء والطروحات التي اقترحت نقلها إلى أماكن أخرى وقد يتوفر موقع قريب وقد لا يتوفر وهكذا الشأن في مقبرة أم الحمام، حيث وجّه سموه باستمرار وجودها كمقبرة والعمل جارٍ الآن فيها لتجهيزها كمقبرة من أكبر المقابر، حيث تبلغ مساحتها فوق مائة ألف متر مربع وهي أيضاً تبرع من سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم - رحمه الله -.
ودور سمو الأمير سلمان في هذه المقابر هو امتداد لتلك اليد الخيّرة المعطاءة في كل الميادين والمجالات بدون استثناء فله في كل ميدان حضور.. إنها يد لا تعرف إلا مساعي الخير لا تعرف إلا البذل في كل منشط إسلامي إنساني، يد لها موقف صادق في كل محفل خيّر، ولهذا فإن الجميع اليوم يتضرع لسموه بالدعاء أن أوجد هذه الساحات الكبيرة القريبة للتسهيل على المسلمين في الدفن فيها.
ثالثاً: إن جهود سماحة العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - كانت شاملة وعامة، حيث كان لسماحته جهود واسعة في مجالات وميادين شتّى وكان حريصاً أشد الحرص على كل ما ينفع الناس، وكان قريباً من مشكلاتهم وكان مجلسه اليومي عامراً بالحوارات والنقاشات.. تطرح فيه الآراء أياً كانت وتناقش فيه عدة مسائل ثم ينقلها سماحته لولي الأمر ويتخذ فيها الإجراء المناسب.. فقد كان ذلك المجلس اليومي واسعاً وكبيراً ويضم كل النخب وكل الأطياف وكل الناس.. فهذا مستفتٍ وهذا له قضية وهذا يطرح مشكلة وهذا متظلّم يود نقل مظلمته للقيادة، وهذا يشكو حاله وهكذا.. كل هذا يؤكد أن ثقافة الحوار لدينا كانت مبكرة وكانت موجودة وكان هناك استيعاب لكل الآراء والأفكار والطروحات، وكان هناك مساحات للحوار والمناقشة والأخذ والرد، ومن المعلوم أن سماحته - رحمه الله - كان يشرف على عدة إدارات هي اليوم عدة وزارات، فهو يشرف على القضاء وعلى الشؤون الإسلامية وعلى الإفتاء وعلى تعليم البنات وعلى الجامعة الإسلامية وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعلى مؤسسات وهيئات خيرية وإسلامية وشرعية مثل رابطة العالم الإسلامي وهيئات ومؤسسات وكيانات أخرى.
وكان موفقاً مسدداً قريباً من كل خير، وكان ينصت لكل متحدث مهما كان حتى العوام والبسطاء، وكان يترك كل شخص يتحدث حتى يسكت، فلا يقاطع أحداً ولا يسفه أحداً، ولا يستنقص أي رأي. وكانت أكثر إجاباته حكمة يحفظها الناس حتى اليوم وكان مبتسماً بشوشاً وكان لا يجادل بقوة وكان متسامحاً هادئاً يرفق بالناس حتى بالمخطئين.. وكان إذا سمع أو نقل إليه أو شعر بخطأ أو جرم أو تجاوز ارتكبه شخص بأن التأثر على وجهه وبالذات ما يتعلق بالنواحي الشرعية لكنه لا ينفعل ولا يتصرف تصرفات قاسية لكنه يتخذ الإجراء الصارم المناسب لمعالجتها.. وكان يعمل طوال اليوم من قبل الفجر بساعة أو ساعتين ويستمر عمله مع الناس في المسجد وفي بيته وفي المكتب وفي الشارع حتى ينام بعد العشاء بوقت طويل ليس له وقت راحة ولا يصرف أحداً ولا يأخذ إجازة ولا يقول إنه يوم الجمعة أو يوم الخميس أو يوم العيد انه مجاز أو مرتاح أو انه ليس في عمل.
ولذلك كانت الناس تسافر له من الهجر والقرى والمناطق قاصدين الرياض ولا يفكر أحد بأنه لن يجده أو أنه سيجده في إجازة أو منتدب أو مسافر، ولهذا كله فنحن لا نستغرب منه هذا الإجراء الطيب المبارك وهذا التبرع السخي من سماحته وهي بدايات مقابر النسيم ومقابر أم الحمام بمدينة الرياض.
فعلينا إذا تحدثنا عن مقابر النسيم أو مقابر أم الحمام أو مقابر الرياض عموماً ألا ننسى دور سماحته.. إنه دور كبير وعظيم، فقد كان صاحب اليد الطولى وصاحب الدور الرئيسي في وجودها والناس، كل الناس تدعو له منذ ذلك اليوم وإلى اليوم وإلى ما شاء الله، حيث كان له الفضل - بعد الله - فيما تحقق ويتحقق اليوم بعد أن كادت الأمور تعصف بهاتين المقبرتين.
رابعاً: يجب أيضا ألا ننسى وألا نغفل دور كل من العالمين الجليلين معالي الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سابقاً والمستشار الحالي في الديوان الملكي، ومعالي الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى سابقاً.. وهما نجلا سماحة العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، حيث كان لهما - حفظهما الله - دور كبير أيضاً في الحفاظ على هذه الوصية وتنفيذها والاتصال بالجهات ذات العلاقة حتى تم بالفعل تحويل الأرض إلى مقابر وتنفيذ وصية الشيخ رحمه الله.. وصارت الأرض مقابر بالفعل.. وكان لمعالي الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ دور ملموس عندما سعى بكل السبل لإتمام هذا المشروع الكبير وتابعه مع جهات الاختصاص حتى نفّذ.
خامساً: كان هنالك دور لعدد من العلماء والمشايخ الموجودين آنذاك في هذا المشروع بعد أن أوقفه سماحة الشيخ وبعد وفاته - رحمه الله -، حيث كان لهم دور إيجابي فعّال وطيب مثل سماحة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى ومعالي الشيخ الجليل راشد بن خنين حفظهما الله لإنقاذ هذا الوقف الشرعي.
سادساً: إن هذا المشروع ومثله وغيره يعكس حجم التوجه الشرعي الإسلامي الملتزم لقيادتنا الرشيدة وحرصها على هذا الدين وسعيها لحراسة العقيدة والذود عنها والإسهام بكل ما من شأنه الحفاظ على الوجه الشرعي الجميل لهذا البلد، ولا غرو فقيادتنا الرشيدة قيادة ملتزمة بدينها، راعية للشريعة، مطبقة لأحكام الله، هاجسها الأول والأخير إقامة شرع الله والحفاظ على الدين.. وقد عُرف عنها الصلاح والتقى والورع والخوف من الله واثر عنها محبة الخير والإسهام بكل ما من شأنه رفعة هذا الدين والدفاع عنه والذود عن حمى العقيدة وهي دولة مباركة حوت الحرمين الشريفين وحوت البقاع الطاهرة المقدسة فقامت بهما خير قيام وصرفت عشرات المليارات من الريالات من أجل العناية بهما وقدمت كل ما في وسعها لخدمة ضيوف الرحمن وهذا بالطبع ليس بغريبٍ على دولة التوحيد.
أسأل الله أن يثيب كل مخلص لدينه وأن يوفّق الجميع وأن يغفر للأموات وأن يرزقنا حسن الختام، والله الموفق.
عبدالله بن عبدالرحمن الصالح
الرياض |