إن بث نشرات الأخبار يومياً عبر الفضائيات العربية أو الأجنبية لمن الفقرات التي تشدني دوماً كغيري من المشاهدين، وما ذلك إلا حباً في الاستطلاع ورغبة في التعرف على ما يدور في محيطنا المحلي والإقليمي والدولي من أحداث تجسدها الصورة سواء أكانت أحداثاً تبعث على الطمأنينة في النفس وتبشر بمستقبل آمن مستقر كاتفاق يدعو للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل أو اتفاق دولي للعناية بالبيئة والحفاظ على مواردها، أو بشرى باكتشاف عقار جديد يخفف من أمراض العصر المختلفة، أو أخبار وأحداث أخرى صُبِغت بالأسى والبؤس كالتي تميز بها العالم اليوم من حروب مدمرة وغزو واحتلال بالقوة، وانتهاك بالتالي للممتلكات والأعراض تشهده الساحة العربية سواء في العراق أو فلسطين أو مآسٍ دامية في عالمنا الإسلامي أجمع وجرائم قتل وتشريد وتهديد ومجاعات وفيضانات وغيرها.
.. لكن ليس هذا هو موضوع الحديث إنما موضوع حديثي هو ما تنشره وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة والمرئية هنا في المملكة العربية السعودية من بيانات تصدرها وزارة الداخلية بشأن العابثين بأمن هذا البلد واستقراره الذين تنكروا لدينهم ووطنهم وإخوتهم وغسلت عقولهم ولم يروا إلا في الإرهاب سبيلاً لتحقيق أهداف من سخروهم لهذه الأعمال الإجرامية في بلد قدم لهم الكثير، وكان ينتظر منهم رد الجميل ولو بالقليل، فبادروه بالعقوق والجحود ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وفي الحقيقة لم يتعود المواطن في المملكة العربيةالسعوديةعلى سماع مثل تلك البيانات من قبل والتي تحمل الأسى والحزن وتجسد عظم الجريمة وبشاعتها التي ترتكب على أطهر أرض وأنقاها- بلاد الحرمين الأمنة - والتي ضربت علىمرّ العصوروإن شاء الله ستستمر تعكس بعزم الأوفياء والمخلصين الصورة المشرقة للشريعة الإسلامية.
وربما يعزى الهدف الرئيسي من ارتكاب تلك الجرائم البشعة وما ينطوي تحتها من مصائب تمس أعراض الآمنين أو تسلب أموالهم وتقلق راحتهم وتزهق أنفسهم وتدمر مقدراتهم وممتلكاتهم بلا ذنب ولا مبررإلى حصاد عوامل بيئية واجتماعية وسلوكية وأخلاقية خاطئة غذيت بها عقول هؤلاء الفئة الضالة وأصبحت منهجاً في سلوكهم وتعاملهم مع أنفسهم التي فقدوها ومع الغير.
وليس هناك ما يلوث النفس البشرية من قديم الزمان إلى اليوم غير المسببات الأربعة التالية:
1 - حب الدنيا.
2 - الفراغ.
3 - المسكرات والمخدرات بأنواعها.
4 - الشذوذ بشقيه.
وقد جاءت هذه المسببات مجتمعة كنتيجة سلبية حتمية لعصر طغت فيه الماديات على الروحانيات وأهملت فيه التربية المنزلية والمدرسية والمجتمعية السليمة التي يهذب من خلالها الأطفال والشباب ويربون على مبادئ الإسلام الفاضلة وقيمه الحميدة التي تدعو إلى الوسطية في العبادات دون غلو أو تطرف، والتسامح ولين الجانب في المعاملات والسمو والرفعة في الأخلاقيات دون أن يترك الحبل على الغارب للأبناء؛ ليكونوا فريسة سهلة وعجينة لينة العريكة في أيدي أناس سخرتهم الصهيونية العالمية- أو أناس تستروا تحت ستار الدين ورفعوا شعاراته المزيفة، وما هم في الواقع إلا بعيدون كل البعد عن الخط المستقيم والنهج القويم، واتخذوا من خطوات الشيطان نهجاً لهم لتحقيق أهدافاً قالوا إنها الشهادة التي ستحقق لهم الجنة عند الخروج على الحاكم وقتل رجال الأمن والعلماء وغيرهم الذين ينفذون أوامره ويسهرون على سلامة وأمن وراحة المواطنين ظانين بعملهم الجبان هذا بأنه سينهار تلاحم واقتصاد هذا البناء الشامخ الذي يتكون منه ذلك المجتمع السعودي المسلم المتماسك بإيمانه وعقيدته وحبه لوطنه من القاعدة إلى القمة بما ينشرون فيه من فوضى ويزرعون فيه من مبادئ هدامة وأحقاد.
وإذا أمعنا النظر في الحياة الإنسانية والمجتمع منذ بدء الخليقة- لعرفنا أن الشيطان في البيئة المناسبة له يرغِّب الإنسان لحب الشر ويساعده عليه ما لم يعصمه الله من ذلك فقد خلق الله سبحانه وتعالى آدم وحواء منذ ملايين السنين وأمرهم بسكن الجنة: { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ } (35) سورة البقرة.
وكانت هذه هي البداية لحياة آمنة مستقرة ومعيشة هادئة في الجنة حتى أزلهما الشيطان بالأخذ من تلك الشجرة ليعصي آدم وزوجه ربهما، وبذلك يكون بداية الصراع بين الحق والباطل حينما أهبط الله سبحانه آدم إلى الأرض. قال تعالى:{ قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } (24) سورة الأعراف وبعد الاستقرار على الأرض أنجبا هابيل الذي قتل أخاه قابيل: { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (30) سورة المائدة . فكانت أول جريمة بشرية ترتكب على سطح الأرض من أجل امرأة، وحباً في الدنيا.. والمتأمل لحال الكثير من الشباب البعيدين عن الدين وتعاليمه اليوم أو أخذوا من الدين قشوره، وتركوا لبَّه يلاحظ تعدد اتجاهاتهم ومقاصدهم وتخبط خطواتهم فالبعض يحاول الحصول على الأموال بأسرع الطرق، فسلك للحصول على ذلك الكثير من المسالك الوعرة إلا من هدى الله وآخر شغله الفراغ الذي لا يعرف كيف يملأه فبات يبحث عن رفاق يستأنس بهم ولم يدرك بأنهم قد يجروه أو جروه إلى الهاوية، فأفكار ومقترحات هدامة وثالث زيَّن له أصدقاء السوء مباهج الدنيا وما فيها من ملذات يتعاطون المسكرات والمخدرات معللين ذلك بسقم أفكارهم بأنها تريح الأعصاب وتزيل الكآبة وتبعد الإنسان عن الواقع الذي يعيش فيه: { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } (44) سورة الفرقان. ولقد صدق الشاعر الذي أجمل ذلك في:
إني ابتليت بأربع ما سُلِّطت
إلا لعظم بليتي وشقائي
إبليس والدنيا.. ونفسي والهوى
كيف الخلاص وكلُّها أعدائي |
ولكننا لا نعمم ذلك على كل المجتمع السعودي المسلم الذي اتخذ العقيدة الإسلامية منهاجاً ودستور حياة من خلال تصرفات شاذة لأفراد على هامش الحياة فيه، إلا أن ما أحببت أن أصل إليه من خلال تلك السطور ما هو إلا ذكرى وعظة.
إن استخدام النعم الوفيرة التي منَّ الله بها علينا، وفي مقدمتها نعمة الأمن والاستقرار بصورة سليمة واضحة ستقود مجتمعنا بحول الله إلى نعيم دائم ومحبة وألفة يشد بعضنا البعض فيها، ويقوِّم فيها الصالح المعوج ويرشد فيها الضال إلى طريق الخير والسعادة ويعان فيها المصاب.
فعلينا نحن أبناء هذا البلد الطيب الطاهر أن نتمسك بعقيدتنا السمحة أيما تمسك خلف قيادتنا الحكيمة وأن نعض عليها بالنواجذ وليس هناك من عاصم غيرها ولا منهج وسلوك حياة خيراً منها إذ يقول سبحانه وتعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ويقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم -: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضُّوا عليها بالنواجذ. ولقد عني الإسلام من قبل بعلاج النفس البشرية من سمومها وأمراضها لكي يصبح الإنسان شخصاً منتجاً ينفع نفسه ووطنه: (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف) والشباب اصحيح المسلم في مجتمعنا هو ذلك القادر على تشكيل مستقبل الحياة فيه وأن يسيره نحو سعادة المجتمع الذي يعيش فيه لا إرهابياً يبعث الرعب في نفوس الأمنين والمطمأنين من بني جلدته وحيث إن التربية في أوسع معانيها تعني الإعداد للحياة.. لذا يجب أن يأخذ التعليم بكافة مراحله على عاتقه تطوير أهداف التربية السليمة والسلوك الاجتماعي القويم في روضاتنا ومدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، ضماناً لتنشئة هذا الشباب تنشئة متكاملة عقلياً وجسمياً وروحياً وشغل فراغه بما يعود عليه ووطنه بالنفع ليكون قادراً على بناء مجتمعه البناء السليم محققاً فيه آماله وأمانيه خلف قيادته الحكيمة ولا ننسى هنا دور المسجد وخطبائه في أداء هذه المهمة بتبصير الناس جميعاً بدورهم في هذه الحياة وما يتطلع إليه منهم هذا الوطن من إصلاح وتعمير.
وفي الختام أسأل المولى القدير أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والاستقرار والحياة السعيدة في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين وبعزم أبنائه العاملين الساهرين على حماية الأمن وراحة المواطنين.
والله من رواء القصد،،،
(*) وزير مفوض- مدير حماية البيئة- الأمانة العامة لمجلس التعاون |