في منتصف الليل.. هدوء.. سكون بهيم يعم أرجاء الغرفة وضوء القمر الخافت يتسلل إلى نافذتي..
أيقنت أن كل شيء يمضي - الوقت - العمر - السحب..
حاولت اجتذاب النوم ليعانق أجفاني.. تعبت من السهر.. ولكن دون جدوى.
نهضت من فراشي وتوجهت إلى مكتبي.. أمسكت بقلمي وضغطت عليه بقوة حتى أحسست أن السطور ستنهار من تحت أناملي.. وهناك وعلى الورق.. سقطت دمعة يتيمة ترقرقت في مقلتي ما لبثت أن انسابت على وجنتي.. أحسست أنها أطفأت ولو قليلاً من لهيب فؤادي بعد رحيلي عنك..
فكيف لي أن أرحل عنك يا من علمتني كيف أحيل الورقة الصماء إلى فن إبداع وإبهار.. كيف لي أن أرحل عنك يا من علمتني أن أرسم لوحتي وأجسد فيها كل معاني الحياة.. الثقة.. الود.. وبلغة لا يفهمها أي أحد فكيف لي أن أرحل عنك يا من جعلتني كالطود الشامخ الذي لا تزيده الرياح إلا ثباتاً ورسوخاً وطموحاً.
معلمتي ومربيتي..
هذه هي الحياة لقاء وفراق.. وستبقي صورتك في ذاكرتي أسير بها نحو الحلم وأبدد بها ليل الانتظار..
وها هي أشعة الشمس تخترق الظلام.. وتكتسح كل السواد وتبقى سيدة يصحو لأجلها الأنام وتغادر الطيور على الأعاش. أما أنا فما زلت أروي قصة الرحيل إلى أن تتحول تلك الشمس إلى قرص تبتلعه البحار.. ويعود الظلام مرة أخرى..
|