المسجد في الاسلام هو مكان العبادة، وهو كذلك المكان الذي يصدر منه إمام المسلمين كل فتاواه في شتى شؤون الدين والدنيا، وهو مجتمع المسلمين ومنتداهم لتدبير شؤونهم العامة والخاصة، وهو الذي يلوذ به كل مسلم ليبسط آلامه وآماله، والملجأ الذي يلجأ إليه كل مظلوم ليعرض مظلمته، ولينال الانصاف، وهو القلعة الحصينة التي تقف أمامها كل قوى الشر خاسرة خائرة القوى، مشلولة الارادة، عاجزة عن العمل وتدبير المؤامرات ضد الاسلام.
المسجد مظهر الروحانية العظمى في الاسلام، هو منارة التوحيد وشعار الايمان، ومهبط الوحي، وملاذ الخائف، وموئل المستضعف، وقد زاده الله عز وجل تشريفا فسماه (بيت الله) وجعل ثواب عمارته عظيما، وجعل بناءه عملا كبيرا عند الله، والصد عنه ومنع المسلمين من دخوله للعبادة جريمة لا تعدلها جريمة.
المسجد وما أدراك ما المسجد، وما مكانته في الاسلام؟
عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة كان البيت الحرام هو ملجأ المسلمين جميعا، وهو مناط أملهم، وهو مأمنهم، وهو سر قوتهم، وهو مكان عبادتهم، ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة فبمجرد وصوله إليها بدأ في بناء المسجد النبوي الشريف، وقبل أن يدخلها كان في قباء، وبنى مسجدا وصلى فيه، وصلى معه رفيقه في الهجرة أبو بكر الصديق، رضي الله عنه وأرضاه.
ولما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد النبوي صار دار الإمارة، ومقر الحكم، ومجلس العلم ومهبط الوحي، ومصدر التشريع، ومعقد الفتيا، ومكان التنظيم والادارة، وموضع استقبال الوفود أفرادا وجماعات.
وفي المسجد النبوي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس ويلقي خطبه على الناس ويرشدهم ويثقفهم ويعلمهم حتى صار المسجد النبوي جامعة من الجامعات، وفيه كان يجلس خلفاء رسول الله وأعلام الصحابة هادين مرشدين معلمين.
وصار المسجد النبوي مكان عبادة ومكان علم، ومكان إدارة وتنظيم لشؤون المسلمين عامة، ما صغر من هذه الشؤون وما كبر.وفي كل مكان يصل إليه المسلمون في مشارق الارض ومغاربها كانوا يبدأون بناء المسجد فيتخذونه مكانا للعبادة، ومكانا للتعليم والارشاد، والافتاء وتنظيم شؤون المسلمين، وبذلك صار المسجد في الاسلام جامعا للمسلمين للعبادة وجامعة للعلم والتعليم، وهكذا رأينا المسجد الحرام في مكة يصير بعد فتحها جامعة كبرى يتصدر في حلقاته كبار الصحابة ومن بعدهم كبار التابعين، ثم أئمة العلماء إلى يومنا هذا.
وهكذا كان مسجد عمرو بن العاص في مصر، والمسجد الأموي في دمشق، ومسجد القيروان بتونس، ومسجد قرطبة، ومسجد فاس الذي صار جامعة القرويين، ومسجد الزيتونة في تونس الذي صار بعد فترة جامعة الزيتونة، وفي كل مكان في مشرق العالم الاسلامي ومغربه صار المسجد رمزا ومكان عبادة ومجلس علم، وصارت الحلقات العلمية التي يتصدرها كبار العلماء تعقد في كبريات المساجد، ويؤمها الطلاب من كل مكان، ويعم صيتها ويذيع اسمها في كل مكان، ومساجد قرطبة وأشبيلية وغرناطة وغيرها من مدن إسبانيا كان شباب أوروبا يحج اليها للتعلم والافادة وطلب المعرفة، وصارت مساجد إسبانيا هي التي تثقف شباب أوروبا وتخرجهم من الظلام ومن الجهالة ومن الوحشية إلى النور والعلم والحضارة، والى المعرفة والى الخير والى الانسانية والى التمدن. المسجد في الاسلام هو سر قوة المسلمين، فيه الامامة، وفيه الجماعة، وفيه الدين، وفيه الدنيا.
في الصلوات الخمس نرى الجماعة تجمع شمل المسلمين، وتنظم صفوفهم وتوحد كلمتهم، وترفع رايتهم، وتقوى كلمتهم، وتجعلهم يداً واحدة على أعدائهم.
وفي كل جمعة وكل عيد وكل أمر وكل خطب نرى المسجد عاملا كبيرا في دعم وحدة المسلمين وجمع شملهم، وتقوية صفوفهم وتوحيد كلمتهم.
ومن الجامعات الكبرى في الاسلام، نرى الازهر في مصر، ونرى المستنصرية، ونرى النظامية في العراق، ونرى أشهر الجامعات الاسلامية وأكثرها أثراً في بناء الحضارة، ورفع راية المدنية، ودفع التقدم.
كل الجامعات الاسلامية قامت في المساجد الكبرى، فالمساجد هي قبلة المسلمين ومحرابهم، وهي معلمتهم ومثقفتهم وموجهتم ومرشدهم لما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة.
المسجد في الاسلام هو سر قوة المسلمين في الماضي، ويجب ان يكون سر قوتهم في الحاضر والمستقبل أيضا.
المسجد في الحاضر يجب أن يكون ملحقا به مكان للضيافة ومكان لاقامة مراسم الزواج، وما أكثر ما أحزن حين أسمع أن صالات اللهو في بلاد المسلمين صارت هي التي يعقد فيها عقود الزواج، ويتبارى فيها الراقصون والراقصات، أفليس في ذلك إفساد ما بعده من إفساد لأخلاق المسلمين وبخاصة لأخلاق شبابهم؟؟
المسجد يجب أن تلحق به دار علاج مجانية لمداواة المرضى، كما تلحق به دار لتحفيظ القرآن الكريم، ودار لتكون مقرا لمكتبة اسلامية ثقافية، ودار لتكون ملجأ للعجزة والمسلمين.
وبالجملة المسجد يجب أن يكون مجمعا للعبادة والعلم والعلاج وحفظ القرآن الكريم، وللضيافة ولاطعام الطعام للفقراء والغرباء وابناء السبيل.
المسجد يجب أن يكون هو الذي يحمل راية اليقظة للمسلمين، وهو الذي ينفخ فيهم روح العزة والكرامة والايمان والدين والغيرة على حرمات الله عز وجل ومشعل يضيء للمسلمين طريق الحياة.
والمسجد يجب ان يكون منه وفيه اداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلما استطاع المسلمون الى ذلك سبيلا، إذ يقول الإمام ابن تيمية أنه الركن السادس للاسلام، والمسجد يجب أن تنطلق منه الاصوات الخيّرة الداعية لعمل الخير والبر والاحسان والصدقة، ورعاية اليتامى والمساكين والارامل.
والمسجد يجب أن تنطلق منه دعوات النجدة للذين تحل بهم الكوارث، وتنزل بهم النكبات، ويفاجئهم الدهر بمآسيه وآلامه وأحزانه.ويجب كذلك ان تنطلق منه الدعوات الخيرة البنّاءة لبذل المال من أجل رفع شأن الحي الذي يكون المسجد فيه، لرفع شأنه صحيا، ونظافة، وعمرانا، ورخاء، وبناء لدور العلم والعمل والمصانع الصغيرة، وللمساكن المخفضة الايجار للفقراء، ولكل ما يساعد على راحة الفقراء وتخفيف الآلام عنهم.
والمسجد يجب ان يعمل من أجل بث روح الدين في النفوس، ومناهضة الافكار السامة، والاراء الضالة، والمذاهب المنحرفة، والمبادئ المسمومة، وفي مقدمتها الشيوعية والصهيونية والماسونية والقديانية والبهائية والأعمال الإرهابية من كل فئة ضالة.المسجد يجب ان ينير الطريق أمام الشباب ليزدادوا ايمانا بالله بالدين وبالشريعة وبمبادئ الاسلام القويمة.المسجد يجب أن يعمل من أجل تهذيب الاخلاق، وتربية النفوس، وتقويم العقول، وايقاظ الضمائر، ومن أجل احياء صفات الخير في المسلمين، من أمانة ووفاء وعدل ورحمة وإحسان وإيثار وشجاعة وكل خلق كريم وكل عمل جليل وجميل، ونافع للأمة والمجتمع.
|