* حائل - متابعة وتصوير : فهد الغريري :
كثيراً ما نقرأ عن المتاحف الشخصية إن لم نزر بعضها ، ولكن من المؤكد أنه لم يعهد عن هذا النوع من المتاحف أن تتجاوز في انتسابها حدود اسم صاحبها واهتماماته الشخصية ، عدا تلك المتاحف التي تكتسب أهميتها من كيانات أشخاصها التي سمقت في عصور مضت ، كالمنازل السابقة لبعض المبدعين والمفكرين خصوصاً في القرى الأوروبية محولة إياها إلى مزارات سياحية . هنا يأتي السيد ميدان الميدان الموظف في أحد بنوك مدينة حائل ليعطي نموذجاً آخر بمتحفه الذي يسعى من خلاله جاهداً لتحقيق فكرة التكامل بين المحلية والعالمية.
(هذه صورة الملك فيصل ملك العراق ، وهذا الإناء الذي بين يديك ياباني الصنع عمره خمسون سنة تقريباً ، وقد توقف إنتاجه نهائياً منذ تلك الأيام ، فانوس أمريكي عمره 130 سنة ، مطحنة إنجليزية شوف تاريخ التصنيع عليها 1920 ، وهذه مبارد تركية عمرها أربعون سنة ، وعندي سيارة أمريكية موديل 1948 اشتريتها من هناك طلبية) .. يواصل الميدان (43 سنة) شرح محتويات متحفه لك بلا ملل ، يربت بيده على كل قطعة بعشق ثم يبدأ في سرد تاريخها : (هذه (الدلال) القريشيات دقة راعي القصر واسمه الخطيب ، وكان مستقرا في قصر العشروات الموجودة حالياً خارج حائل ، وهي مصنوعة منذ 150 إلى 160 سنة . وكان راعي القصر يصنعها بطريقة لم يتعلمها أي شخص بعده حتى أولاده ، وسبب تسميتها بالقريشيات انه أتاه شخص يسأل عن عدة مجموعات دلال وكلما سأل عن مجموعة قال له الخطيب : انها مصنوعة لعائلة القريشي المعروفة في حايل ، فقال الرجل : كلهن قريشيات فسميت بذلك ولا نعلم عن صحة القصة). وهنا لن تستغرب عندما تعلم أن أي وفد أجنبي يزور حائل سيكون هذا الركن في بيت الميدان مزاراً لهم ، الوفود اليابانية والفرنسية والسفير الأمريكي. يقول ميدان : هناك تنسيق مع إمارة منطقة حائل لإحضار أي وفود إلى منزلي لزيارة المتحف ، وقد جاءت اشادات من بعض الضيوف ذكروا فيها أن المتحف يعتبر نادرا من نوعه بما يقتنيه من تحف واثار قديمة ونادرة . تكامل متحف الميدان لم يقتصر على التنوع الحضاري بل والفكري أيضاً ، فكما تجد أنواعاً من الأسلحة تجد أيضاً بجانبها عدداً كبيراً من أجهزة الراديو وتشغيل الاسطوانات التي يعود عمرها إلى أربعين عاما ، وهنا سيصر الميدان على إثبات جودتها واضعاً اسطوانة قديمة انبعثت منها أنغام لسالم الحويل .
عندما تسأل الميدان عن أغلى ما في متحفه على قلبه تجده يتردد كثيراً قبل أن يجيبك قائلاً : والله صعب أحدد ، كثير الغاليات عندك مثلاً (الأشدة الجباوية) نسبة إلى جبة شمال حائل ، هذي مرشومة بالفضة وعمرها 150 سنة وتعتبر نادرة وانقطعت ، وأيضاً من القطع الغالية ساعات الملوك ، ثم سيعرض عليك الميدان هذه الساعات بالترتيب : هذه ساعة للملك عبد العزيز - رحمه الله - وهذه للملك سعود وقد وضع عليها صورته ، وهذه ساعة قديمة للملك فيصل في أيام شبابه انظر صورته عليها ، وهذه ساعة للملك خالد - رحمهم الله - جميعاً.
ميدان يحلم بتطوير متحفه بنقله إلى صالة عرض أكبر يتم فيها عرض كل قطعة بشكل منفرد ، مع بطاقة تعريفية بنوعها وتاريخ صنعها واسم مالكها إن وجد ، وأن تكون هذه الصالة خارج المنزل ويتم الدخول إليها بتذاكر : (مثل ما تعرف من العيب أنك تدخل الناس إلى منزلك بفلوس ، عاداتنا وشهامتنا ترفض هذا الشيء).
هذه الشهامة تأبى على ميدان أن يجعلك تغادر دون أن تشرب القهوة التي أعدها في (المشب) ، حيث تقبع مطحنة إنجليزية عمرها أربعون عاما ، وهاتف أربعيني أمريكي على الجدار ، هناك سألت ميدان عن أي جهود لابراز المتحف من قبل الجهات الثقافية الرسمية في المنطقة ؟ فهز رأسه : الجهات الثقافية الرسمية للأسف كانت سلبية في تعاملها مع المتحف ، صحيح أنهم يعرضون عليّ مشاركة المتحف في المعارض المقامة ولكنهم يطلبون نقل القطع وأنا أرفض هذا الشيء ، لأنها قد تتعرض للكسر أو الضياع وهذه أشياء نادرة لا تعوض بمال.
وأخيراً .. لا ينسى الميدان وهو يصحبك إلى باب المنزل مودعاً أن يؤكد : المتحف مفتوح لكل من جاء إلى حائل ، وافتخر أن أقدمه باسم مدينتي ، أرجو أن تذكر ذلك فيما ستنشره.
|