* نيويورك - العواصم - الوكالات:
أقرت الأمم المتحدة الليلة قبل الماضية قراراً ينهي رسمياً الاحتلال الأمريكي للعراق لكنه يسمح للجيش الأمريكي بالاستمرار في احتجاز عراقيين حتى بعد تسليم السلطة للحكومة العراقية الجديدة في 30 يونيو - حزيران.
ولم يتطرق القرار الذي وضعت المسودة الخاصة به الولايات المتحدة وبريطانيا إلى قضية السجون الحربية، حيث تحتجز الولايات المتحدة أكثر من 8000 تصفهم بأنهم محتجزون لدواعي الأمن أو لأسباب جنائية بما في ذلك سجن أبو غريب على مشارف بغداد الذي شهد ارتكاب الجنود الأمريكيين انتهاكات بحق السجناء العراقيين ونشرت صورها وسائل الإعلام في شتى أنحاء العالم.
لكن رسالة ملحقة من كولن باول وزير الخارجية الأمريكي يخول القوة متعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة في العراق حق (القيام بمهام واسعة النطاق للمساهمة في إقرار الأمن) بما في ذلك الاعتقال إذا كان ذلك ضرورياً لأسباب متعلقة بالأمن.
وطالبت البرازيل وشيلي وإسبانيا واشنطن ولندن خلال المناقشات التي دارت حول مسودة القرار بإضافة فقرة تلزم القوات متعددة الجنسيات بمعاملة السجناء معاملة إنسانية وحماية المدنيين في مناطق القتال بما يتمشى مع القانون الإنساني الدولي. لكن واشنطن ولندن رفضتا هذا الطلب.
وأعلن هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي الأسبوع الماضي أنه على الرغم من فضيحة سجن أبو غريب إلا أن الحكومة العراقية المؤقتة ستوافق على مطلب واشنطن بالسماح للقوات الأمريكية بالاستمرار في عمليات الاعتقال والاحتجاز رغم تسليم السلطة للعراقيين.
وقال زيباري إنه على الرغم من أن الحكومة الجديدة يجب عادة أن تسيطر على السجون إلا أن السجون المدنية والسجون الحربية (شيئان مختلفان) وإن الحكومة الجديدة ستترك قضية السجون الحربية الأمريكية لتحسمها رسالة باول.
ورأت لندن وواشنطن أنه انتصار، بينما لم ينتظر الرئيس الاميركي جورج بوش التصويت ليعبر عن ارتياحه. وقال بوش في سي آيلاند في جورجيا حيث يستضيف قمة مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى (إنني سعيد بقرار الأمم المتحدة) ويمثل انتصاراً للشعب العراقي.
من جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير (إنها مرحلة مهمة للعراق الجديد). وأضاف أن العالم بات موحدا يتحدث بصوت واحد بشأن العراق.
ورأى مندوب الولايات المتحدة في المنظمة الدولية جون نيغروبونتي أن هذا التصويت بالإجماع (يشكل دليلا واضحا على الدعم الدولي الواسع) لما يسميه القرار (العراق الفدرالي الديموقراطي التعددي والموحَّد).
ويأتي هذا القرار الذي يحمل الرقم 1546 تمهيداً لنقل السلطة إلى العراقيين في 30 حزيران - يونيو وينص على المراحل التي يفترض أن تؤدي إلى تنظيم انتخابات في 30 كانون الثاني - يناير 2005 على أبعد حد وشروط بقاء قوات التحالف في العراق.
وبعد أسابيع من المفاوضات، تمكنت واشنطن ولندن من إزالة التحفظات الاثنين بإدراج إضافة بشأن العلاقات بين الحكومة العراقية والقوة المتعددة الجنسيات بعد 30 حزيران - يونيو. وكانت هذه تشكل محور الجدل الرئيسي بين الدول الأعضاء في المجلس.
وعبَّرت عدة دول من بينها فرنسا وألمانيا والصين وروسيا والجزائر عن أملها في منح السلطات العراقية الجديدة صلاحيات كاملة بما في ذلك في مجال الأمن.
وتنص الصيغة الأخيرة لمشروع القرار على تعاون السلطة العراقية والقوة المتعددة الجنسيات على الصعيد العسكري بما في ذلك الإجراءات التي تتعلق بالعمليات الهجومية الحساسة. إلا أن هذا التعديل لا يمنح بغداد حق تعطيل مسائل من هذا النوع والاعتراض عليها كما اقترح الفرنسيون الأحد. لكن المندوب الفرنسي في الأمم المتحدة جان مارك دي لا سابليير صرح الثلاثاء بعد تبني القرار بأن فرنسا تكتفي بهذا التعديل الأخير.
إلا انه أشار إلى أن القرار يفتقد إلى عنصر مهم.
وقال إن النص يتحدث عن تطبيق مهمة القوة المتعددة الجنسيات وخصوصاً العمليات الهجومية ذات الطابع الحساس ويؤكد ضرورة الاتفاق بين الحكومة العراقية والقوة لكنه لا يوضح ما سيحصل في حال الخلاف. وشدد عدد من الدول الثلاثاء على روح التفاهم التي أبداها معدو النص.
وعبّر عبد الله باعلي سفير الجزائر الدولة العربية الوحيدة في مجلس الأمن عن امتنانه لمعدي القرار الذين تجاوبوا مع مخاوفنا.
وقال إنها لحظة تاريخية للشعب العراقي الذي سيستعيد في 30 حزيران - يونيو استقلاله وسيادته وكرامته، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى (مستقبل محفوف بالمخاطر والمخاوف)، مؤكداً ضرورة مصالحة وطنية.
وحذَّر الروسي الكنسدر كونوزين أيضاً من أن أموراً كثيرة مرتبطة بشعور العراقيين بوجود عملية انتقالية حقيقية بالمقارنة مع الاحتلال العسكري (...) والوقت وحده كفيل بأن يحدد ما إذا كان تبني هذا القرار يشكل تحولاً بالنسبة للعراق. وأضاف أن الحكومة الموقتة يجب أن تثبت قدرتها على حكم البلاد بشكل مستقل واقامة عملية سياسية فعلية وتمثيلية.
أما السفير الصيني وانغ غوانغيا فقد رأى أن الحوادث التي أجبرت الولايات المتحدة على طلب مساعدة الأمم المتحدة تبرهن على أهمية التعاون. وقال إن القضايا الدولية الكبرى تتطلب حكمة جماعية. إنها ضرورة في التاريخ والخيار الوحيد القابل للاستمرار للأسرة الدولية.
وأكد نيغروبونتي السفير الأميركي المقبل في العراق، أن القرار يسمح للدول بالمساهمة في إعادة إعمار العراق، لكنه لم يدع بشكل مباشر إلى إرسال قوات. وقال إن القرار يدعو الأسرة الدولية إلى الانضمام إلى الذين ساعدوا شعب العراق الموهوب. يجب على الدول الأعضاء إلا تتأخر في تقديم النصائح والمساعدة.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سي ايلاند أن تبني القرار حول العراق (خطوة كبيرة إلى الإمام). وذكر بوتين بعيد لقائه الرئيس الأمريكي أستطيع أن أقول من دون أي مبالغة إن القرار خطوة كبيرة إلى الإمام. وقد عقد الرئيسان لقاء ثنائياً قبل افتتاح القمة. وأشاد بوتين بالحوار البنَّاء في إطار مجلس الأمن. وأضاف: من الطبيعي أن يحتاج القرار إلى وقت قبل أن يسفر عن تغيير حقيقي في العراق، معتبراً أن الوقت حان لتبني مثل هذه الوثيقة المتعلِّقة بالعراق.
|