نشأنا -ونحن أطفال- على احترام الكبير، وهي عادة جيدة، لكنها خلقت منا جيلاً يُتَأْتِئ عند الحجة والبرهان ولو كان عليما، ولعل كل تلك المتراكمات هي مخرجات عبارة يقولها الكبار للصغار: آها.. اسكت.
فيسكت الصغير ويتكلم الكبير، ولو كان أضل من ضب!! واستمرت المسيرة الإسكاتية أو الإقصائية يتوارثها أجيال كثر، حتى ان المجتمع ذاته صار يمارس الإقصائية أو التهميش لمن هم أصغر في نظر الأكبر؛ ولذا جاء التوجه في كل أمر مخصوصا لفئة مخصوصة بالذات، مثل الإدارة العلياء والتدريس والصحافة.. وحتى البيع والشراء، وخلف خلف جعلوا لهم سلما يرتقون به، وهو سلم سهل لمن يريد أن يصل إلى أن يكون مقصياً لا واقعا عليه الإقصاء ذاته، ومن علامات هذا السلم السهل ألا تلبس عقالا وأن يكون لك مواصفات جسدية ونطقية وحركات لا إرادية تتطبع عليها، عندها ستكون وجها لامعا في كل منتدى، وسوف يحسن الآخرون بك الظن، عن سذاجة منهم وغباء، لانهم تربوا على: آها بس اسكت!!!وفعلاً برزت تلك الوجوه على شاشات التلفزة الفضية أمام العيون وصاروا من النخبة وهم بعيدون عن ذلك، لكن الظروف والتلون ساعدهم على اجتياز الاختبار الغبي من قبل المشاهد!!مثل هذا الإقصاء قد يخلق ردة فعل أخرى لا تحمد عقباها لدى الكثيرين، خاصة الذين يعرفون أغوار المجتمع ويسبرون متاهاته التي استمرت لم تحدد بعد؛ ومن هنا يجىء وجع المسافة والعدد والقلة أو الكثرة التي تعيش الإقصاء والتهميش.
أبواب الحياة مفتوحة لمن يريد أن يحيا، لكن كيف يعيش الإنسان مخنوقاً من قبل من أمسك بحبل من حب الذات والعودة إلى فكر عشعش فيه الغراب والدود والقمل، أما أبواب الرزق فهي تمر بمرحلة تشبه مرحلة (الحنشل) سابقا، والسبب.. من يمارسون الإقصاء ذاتهم، وحينما كنت في الكلية طويلب علم عند أحد الأساتذة الذين يدرسون بها، سألني عن مرض القلوب ما هو؟ وكان قد شرح لنا أن مرض القلوب مرض شبهة ومرض شهوة، فقال لي: قم يا محمد وشو مرض القلوب؟
قلت: هو عبارة عن انسداد الشرايين او إخفاق الصمامات أو غيرها من أمراض القلوب التي يقررها الطبيب!!
لم يكن رده عليّ إلا أن قال: اقعد.. أنت والله اللي قلبه مريض!!
حاولت أن أقنعه أن سؤاله لم يحدده: أطبِّي أم ديني..!! ومثل هذا، ممن كانوا يمارسون الإقصاء الفكري، هم الذين ورثوا أجيالاً بعدهم ذلك المرض المستشري والخطير. فهل نستمر في مسائل التهميش والإقصاء ومصادرة الفكر والرزق والحياة؟ أم نتطور فكريا واجتماعيا كأمة واحدة؟ لا أدري متى يكون ذلك؟!!
فاكس 2372911
|